فهم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط يبدأ من فهم توجهات السياسة البريطانية، فالبريطانيون قبلوا بعد الحرب العالمية الثانية أن يصبحوا تابعا للإمبراطورية الجديدة بعدما ظلوا يقودون العالم لعشرات السنين لكنهم حينما غربت الشمس عن امبراطوريتهم تعلقوا بذيل الإمبراطورية الجديدة المتمثلة في الولايات المتحدة الأميركية.

وقبلوا أن يكونوا تابعا لها وموجها لها في بعض الأحيان أو مهدئا لغلوائها وتطرفها واندفاعها وجموحها، لذلك بقيت سياستهم معيارا للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط فهم الأكثر دراية وخبرة واحتلالا واستعمارا لدول المنطقة من الهند شرقا وحتى مصر غربا، لذلك إذا تابعنا بعض التطورات والتصريحات التي صدرت عن رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون منذ اجتماعه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في الأمم المتحدة في 24 سبتمبر الماضي يستطيع أن يدرك أن حلفا جديدا ينشأ في المنطقة أو أنه أنشئ بالفعل تقوده إيران بدعم غربي ويحتاج فقط إلى الإعلان.

لقاء كاميرون مع روحاني هو الأول بين زعيمي الدولتين منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، ومع ذلك فإنه لم يقف عند حد السلامات والتحيات ولكنه دخل في عمق الاتفاقات فقد أعلن مصدر في مقر رئاسة الوزراء البريطانية أن الاجتماع الذي عقد في مقر البعثة البريطانية في الأمم المتحدة تناول الملف النووي الإيراني وإعادة فتح سفارتي الدولتين، إضافة إلى بناء تحالف دولي لمواجهة تنظيم الدولة «داعش»، وقد جاء هذا الاجتماع بعد تصريحات أدلى بها ديفيد كاميرون في اليوم السابق لاجتماعه مع روحاني قال فيها «إن إيران يمكنها أن تلعب دورا بناء في منطقة شرق أوسط مستقرة».

لقاءات وتصريحات كاميرون واكبتها حملة إعلامية بريطانية داعمة لأن إيران الدولة التي ظلت في نظر الغرب إرهابية وتدعم الإرهاب وأسوأ دول العالم بعد كوريا الشمالية طيلة 25 عاما ستصبح الآن حليفة للغرب رغم أنه لم يتغير فيها شيء على العكس تماما هي في طريقها لتصبح دولة نووية ولا ولن تتخلى عن برنامجها النووي أو تصديرها للثورة لدول الجوار، وبعدما عاد كاميرون من الأمم المتحدة وقف يوم الجمعة الماضي في مجلس العموم البريطاني وتحدث إلى الأعضاء عن الخطر الداهم الذي يشكله تنظيم الدولة حتى يحصل علي التفويض بما اتفق عليه مع روحاني في ظل إطار شامل للدخول في حلف غير واضح المعالم للحرب على داعش، بدأ كاميرون خطابه بالتأكيد على أن الضربات الجوية ستنهي داعش في العراق وسوريا وهو ما يتنافى مع أبسط قواعد ومبادئ الحروب، لكنه أكمل بأن هذا الأمر يحتاج إلى استراتيجية قوية كاملة وحكومة قوية في العراق إضافة إلى أن سوريا تحتاج إلى حكومة شاملة على غرار العراق، وهنا مربط الفرس ومدخل الاتفاق البريطاني الإيراني أو إذا شئت الأميركي الإيراني الذي تقوم به بريطانيا نيابة عن الإمبراطورية التي تعيش في ذيلها، فبعد إقامة النظام الطائفي في العراق في أعقاب الاحتلال الأميركي لها في العام 2003، وغض الطرف عما تعرض له سنة العراق من اضطهاد وحروب إبادة يتم الترتيب مع إيران الآن لدعم حكومة شيعية قوية في العراق والترتيب لإقامة حكومة أخرى في سوريا لن يكون نظام الأسد بعيدا عنها لأنها طالما أطلقت يد إيران في ترتيب الخرائط وتعيين الحكومات لاسيما بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين فنحن أمام مشهد جديد لنفوذ إيراني واسع مدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب. (نكمل غداً).

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -