كلف الرئيس عبدالفتاح السيسى جريدة الأهرام بتنظيم ندوة عن مشاركة الشباب فى العمل السياسى، وسيوجه الرئيس كلمة إلى الشباب فى هذه المناسبة داعيا ألا تقتصر المشاركة على الإدلاء بالأصوات.
ولكن لترشيح أنفسهم كنواب عن الشعب. هذا النص نشرته بالحبر الأحمر جريدة الأهرام أمس (الجمعة 19/9)، ووضعته على رأس أخبار الصفحة الأولى.
فى نفس يوم الجمعة نشرت صحيفة «المصرى اليوم» خبرا ذكرت فيه أن إدارة جامعة القاهرة ألغت المخيم الثانى لطلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الذى كان مقررا إقامته فى شرم الشيخ. وقال بيان اتحاد طلاب الجامعة السبب يرجع إلى وجود شق سياسى فى برنامج المخيم، بينما قالت قيادات فى الجامعة إن الإدارة ليس لها صلة بالإلغاء، ووصفت المخيم بأنه ينظم دون علم الإدارة المركزية لرعاية الشباب والأنشطة بالجامعة. وذكر بيان اتحاد الطلاب أن رئيس الجامعة رفض حضور عدد من الشخصيات السياسية بعينها إلى المخيم، ومن هؤلاء بعض أساتذة الكلية، وأن إدارة الجامعة تعمدت إبلاغ الاتحاد بالمنع قبل بدء المخيم بوقت قصير، كى لا تكون هناك فرصة للتغيير أو تعديل البرنامج، أضاف البيان أن رئيس الجامعة أراد إلغاء المخيم من البداية، لكن تدخل الدكتور، هالة السعيد عميدة الكلية جعله يضع شروطا تعجيزية لإقامته. منها حذف فقرات من البرنامج وبعض الضيوف، وتقليص مدة المخيم إلى يومين فقط بدلا من أربعة، وهو ما رفضه الاتحاد، الذى دعا إلى عقد اجتماع للرد على إلغاء الجامعة للمخيم بسبب محتواه السياسى.
لست أشك فى أن المصادفة وحدها هى التى جمعت بين الخبرين فى يوم واحد، صيح أن موقف رئيس جامعة القاهرة ليس جديدا ولا مستغربا. ذلك أنه لم يتوقف خلال الأسبوعين الأخيرين عن التحذير من دخول السياسة إلى الجامعة.، إلى الحد الذى دفعه وهو أستاذ القانون. إلى التهديد بكسر رأس كل من يخل بذلك التحذير. إلى جانب أن وسائل الإعلام نقلت على لسانه فى بداية شهر سبتمبر الحالى قوله إن قرارا اتخذ بإلغاء نظام الأسر الجامعية إذا كانت ظهيرا لأى نشاط سياسى أو حزبى. وهو ما يعنى من الناحية العملية وقف أى نشاط آخر لطلاب الجامعة خارج الدروس والعملية التعليمية.
حين يضع المرء ما نشرته جريدة الأهرام إلى جانب ما نشرته جريدة المصرى اليوم، فسيجد أن المشهد ينطبق عليه المثل القائل: اسمع كلامك أصدقك. أرى أمورك استعجب، أعنى أنه يصور المسافة بين الخطاب السياسى والواقع العملى، إذ فى حين يرحب الأول بالمشاركة فى العمل السياسى ويحث عليها، فإن باب المشاركة يبدو محاصرا ومغلقا من الناحية العملية. أو فى أحسن الفروض فإن تلك المشاركة تبدو مقبولة إذا تمت فى حدود الإطار المرسوم، وما يسمى بالتجاوب «البناء» مع الواقع، وهو ما يترجم إلى فتح الأبواب على مصارعها لممارسة حرية التأييد والموافقة والتصفيق.
هذه ملاحظة أولى اعتبرها جوهرية وأساسية.
الملاحظة الثانية أن المشاركة لا تتم بالأمر المباشر ولا تتحقق بعقد ندوة، فجريدة الأهرام إذا أرادت أن تشجع على المشاركة فى العمل السياسى فلا بأس أن تعقد ندودة لذلك الهدف، شريطة أن تمثل فيها مختلف الآراء والتوجهات ولا يكتفى فيها بأنصار الرأى الواحد. لكن الأهم من ذلك والأكثر شجاعة أن تفتح الجريدة وغيرها من الصحف القومية صفحاتها لأصحاب الآراء المختلفة، ولا تنحاز إلى طرف دون آخر، بحيث تتجاوز خطاب اللون الواحد، وتستعلى فوق الاستقطاب الحاصل الآن فى الفضاء السياسى المصرى.
لست أقلل من تقدير أو احترام بعض الذين يكتبون فى الأهرام، لكن أزعم أنهم أو أغلبيتهم الساحقة من أصحاب اللون الواحد، وذلك لا يقلل من شأن ما يقدمونه بطبيعة الحال، لكننا ينبغى أن نعترف بأنهم ليسوا اللون الأوحد، وأن هناك ألوانا أخرى فى الساحة المصرية لها حظها من الاحترام، وبالتالى لها حقها فى التواجد على الأقل فى الصحافة القومية، هذا إذا كنا صادقين حقا فى الدعوة إلى توسيع نطاق المشاركة فى العمل السياسى.
ما أريد أن أقوله فى هذه النقطة أن المشاركة المرجوة لا تتم بقرار ولا تتحقق بعقد ندوة، ولكنها ثمرة لبيئة سياسية وثقافية يرتفع فيها سقف الحريات وضمانات سيادة القانون، ومن ثم يتراجع فيها الخوف وتسود الثقة والاطمئنان. لذلك تمنيت ألا تصبح المشاركة عنوانا لندوة فحسب، وإنما أن تصبح سمة وعنوانا للواقع أيضا، لأننا قد نعقد ألف ندوة ونستمع إلى ألف خطبة فى الموضوع، ثم نفاجأ بأن ذلك كله انمحى، ولم يعد له أثر. بقرار أمنى يمنع السياسة فى الجامعات، أو بعناد يبقى على قانون التظاهر سيفا مسلطا على رقاب المتظاهرين السلميين، أو بتفويض رئيس جامعة الأزهر فى فصل الأساتذة والطلاب الذين ينتقدون النظام القائم.
الملاحظة الثالثة والأخيرة تتعلق بالتركيز على حث الشباب على المشاركة فى الحياة السياسية بالترشح فضلا عن التصويت، وهى دعوة لا أشك فى نبل الهدف منها. لكنى لم أفهم لماذا توجه إلى الشباب على وجه الخصوص، فى حين أزعم أنه كان حاضرا ومشاركا فى الثورة منذ يومها الأول، بل إنه هو الذى أطلق شرارتها الأولى، ولا يزال أولئك الشباب هم الأكثر وفاء لأهداف ثورة يناير حتى الآن، وهم فى مقدمة الذين يدفعون الآن ثمن تمسكهم بذلك الولاء.
إن الأمل معقود على مشاركة الجميع والشباب فى المقدمة منهم، ولكن المشكلة المستعصية التى تحتاج إلى حل ليست فى نداءات أو ندوات المشاركة، ولكنها فى توفير البيئة المشجعة على المشاركة. وإذا حللتم تلك المشكلة الثانية فلا تقلقوا على المشاركة، ودعوا الباقى علينا.
0 التعليقات:
Post a Comment