مازال الجدل بين من شاركوا فى مظاهرات 30 يونيو وبين الإخوان مستمرا حيث تلاحق الاتهامات كل من شاركوا بأنهم يتحملون مسئولية الدماء التى سالت بعد ذلك ويتحملون مسئولية الانحراف عن الديمقراطية وهذا جدل سيستمر بلا نهاية لأنه أمر نفسى أكثر منه سياسى ومن شاركوا فى مظاهرات 30 يونيو ليسوا واحدا وتمايزت مواقفهم بعد ذلك فمنهم من أيد القتل وفوض به ومنهم من عارض القتل ورفض التفويض وأصبح خصما للنظام الجديد بعد أن انتهك حقوق الإنسان وأدخل مصر فى متاهة لا يبدو الخروج منها قريبا لذلك أنصح من يتعرضون لهذه النقاشات العبثية بتجاوزها، وأعود لأسئلة المراجعات التى تخص هذه المرحلة.
هل كانت مشاركة الثوار فى 30 يونيو إجهاضا لثورة يناير؟
هناك مجموعة من الحقائق لا بد من ترتيبها متتالية حتى نجيب على هذا السؤال
أولا: المنتمون لمعسكر ثورة يناير الذين شاركوا فى مظاهرات 30 يونيو كان هدفهم عمل انتخابات رئاسية مبكرة وهذا حق مشروع فى الديموقراطيات والحديث أنهم نزلوا بجوار مؤيدى عسكرة الدولة وبقايا نظام مبارك لا معنى له لأن النزول كان للمطلب وليس لجوار من نزل ولا تستطيع منع أى شخص مهما كان فكره من النزول للشارع بجوارك حتى لو كنت تشك فى نواياه الحقيقية
ثانيا: النزول والاحتشاد كان بعد تعنت الإخوان الذى أوضحناه فى المقال السابق ويمكن الرجوع له على هذا الرابط
http://www.masralarabia.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/267-%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%B1/373791-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-4
ثالثا: الخطأ الذى لا بد أن يعترف به الثوار الذين شاركوا فى مظاهرات 30 يونيو أنهم لم يكونوا على ثقة من عاقبة الأحداث التى قد تعقب هذه التظاهرات ، ولم يكن لديهم كيان ضخم متجذر يستطيع أن يكون طرفا فى تحديد المعادلة الجديدة ومنع الخروج عن الديموقراطية والمأساة الكبرى أن من عبروا عن الثوار من قيادات جبهة الإنقاذ لم يكن لديهم نفس ورقة القوة والأشد كارثية هو أن بعضهم كان مصرا على تصفير المشهد دون وجود أية ضمانات تضمن حياد المؤسسة العسكرية وبسذاجة شديدة كان البعض فى جبهة الإنقاذ يرتب أن أحد المرشحين الرئاسيين السابقين من قيادات جبهة الإنقاذ سيكون هو المرشح المدنى الذى يلتف حوله الجميع بما فيه المؤسسة العسكرية وبمجرد انتهاء مشهد 3 يوليو بدأت أطراف من داخل جبهة الإنقاذ نفسها تتنصل من وعودها وتطميناتها للمرشح المحتمل وبدأت تساير الأصوات الداعية لترشح وزير الدفاع ثم تحولت فى فترة لاحقة لبوق له ثم وصلت أحزاب منها إلى مبايعته وشاركت فى شتم المرشح المدنى وتخوينه وتحقير مكانته أمام الجماهير، تستطيع أن تقول أن لحظة يأس مضادة لعناد الاخوان وحماقتهم سيطرت على الجميع لنصل لهذا المشهد البائس الذى دفعنا ثمنه جميعا ، نزل ثوار يناير لانقاذ ثورة يناير من التعثر والاجهاض على يد الاخوان فوقعت الثورة فى مستنقع أشد شراسة وبغضا وعداءا لثورة يناير!.
رابعا : تم استخدام الرموز المدنية الثورية وعلى رأسها الدكتور البرادعى للتمهيد والتسويق للنظام الجديد كواجهة مدنية ونتذكر ان الهجوم على البرادعى وتخوينه بدأ بمجرد حديثه عن ضمانات الديموقراطية بعد 3 يوليو وتأكيده على مدنية الدولة وابعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة مهما كانت المبررات ، وحتى لو لم يستقيل البرادعى عقب مجزرة رابعة كان سيتم التضحية به واقصاءه فيما بعد كما حدث لبقايا القوى المدنية فى حكومة الببلاوى ، ولا مناص من الاعتراف بكل وضوح أن حماقة القوى المدنية سارت على نفس خطى حماقة الاخوان الذين تحالفوا مع المجلس العسكرى عقب ثورة يناير بدءا من استفتاء مارس 2011 المشئوم وحتى انتهاء شهر العسل بين الطرفين ، وفى النهاية نال الطرفين جزاء سنمار.
خامسا : لم تكن المشكلة فى المشاركة فى مظاهرات يونيو ولا حتى فى الموافقة على بيان 3 يوليو الذى أصبح أمرا واقعا بل كانت المشكلة الأعظم فى الموافقة والتأييد بالصمت أو المشاركة فى موجة التطبيل والتهيئة للجماهير لقبول مرشح عسكرى وتقديمه كحل وحيد ومرشح ضرورة بالاضافة الى موت الضمير وعدم ادانة القتل وانتهاكات حقوق الانسان التى تصاعدت طوال المرحلة واستمرت حتى الان ، ولو كانت السلطة وجدت اصطفاف حقيقى من القوى السياسية ضد هذه الانتهاكات ما استمرت حتى الان ولا بلغت درجة الدموية التى شهدناها فى مجزرة رابعة وغيرها ، وما حدثت هذه الانتهاكات وما سالت هذه الدماء إلا لأن هناك جزء من المصريين على رأسهم غالبية النخبة السياسية – الا ما رحم ربى – قد باركوا القتل وبرروه وبعضهم رقص على الاشلاء نكاية فى خصمه.
سادسا : لا يعنى كل ما سبق امكانية قبول استمرار حكم الاخوان السابق بصورته الكارثية التى قادتنا للبؤس الحالى ولكن الانصاف يقتضى أن نقول بكل سخرية أن أكثر الفترات الليبرالية التى فتحت أبواب الحرية والتعبير عن الرأى للمصريين كانت من 11 فبراير 2011 الى 3 يوليو 2013 أى فترة حكم المجلس العسكرى وسنة حكم مرسى
هل كان 3 يوليو انقلابا مرتبا أم تحركا سببه نزول الناس وتشدد الاخوان وتعنتهم؟
الحديث فى هذه النقطة يدخل فى حيز أحاديث المؤامرات والتحيز ومحاولة ( ترييح النفس ) لأن كلمة المؤامرة تريح الشخص وتشغله عن مراجعة الذات ، لذلك سأقول ما أعرفه وليصدقنى من يحب وليكذبنى من يريد المهم أننى أقول هنا ما علمته عن يقين من معلومات وليس تحليلات ولا استتناجات ، وقد أكتشف بعد عدة سنوات أنها معلومات غير دقيقة وقد تتأكد ، لكن الموضوعية تفرض علىّ أن أسجل ما علمته
أولا : المؤسسة العسكرية كانت تقوم بعمل تقدير موقف كل فترة خاصة قبل 30 يونيو لتعرف اتجاهات الشارع وتفضيلات الرأى العام وتتوقع السيناريوهات القادمة وبدا فى الأيام الأخيرة أن كرة الثلج قد تدحرجت وصار الخروج ضد الاخوان مزاجا شعبيا لدى نسبة لا يستهان بها من المصريين لذلك تم وضع سيناريوهات التعامل التى كان اولها مطالبة الاخوان بتغيير الحكومة واقالة النائب العام قبل 30 يونيو ثم المطالبة بعمل استفتاء شعبى على بقاء مرسى او عمل انتخابات رئاسية مبكرة حتى 3 يوليو ثم وضع خارطة طريق جديدة وعزل مرسى بعد رفض الاخوان الخيارات السابقة ، أما ترشيح وزير الدفاع فكان ضمن استراتيجية ( ولما لا ؟ ) ،خاصة أن ثقة العسكريين فى المدنيين أصلا شبه معدومة ، فإذا وجدت فرصة وتأييد شعبى لا بأس به لترشح عسكرى لماذا لا نقدم على هذه الخطوة ؟ ومع انطلاق هستيريا الاعلام الذاتية قبل ان تتحول إلى هستيريا موجهة ومرتبة بدأ إعداد الناس وتهيئتهم لهذه الخطوة التى لو كان شخص اقترحها – مجرد اقتراح – فى 2011 لنبذه الناس وبصقوا عليه واتهموه بخيانة الثورة وهدم الديموقراطية ومدنية الدولة ، لم يكن غريبا أن العامة من الناس هللت شرائح منهم - ليست صغيرة – بفكرة ترشح وزير الدفاع لكن كان الغريب موافقة النخبة السياسية التى طالمت تشدقت بمدنية الدولة وضبط العلاقات المدنية العسكرية ووجدنا كثيرا من هؤلاء قد تحولوا لمنظرين يتحدثون عن مرشح الضرورة وعن الأخطار التى توجب تولى عسكرى للحكم وما شهدناه من موجات تطبيل كوميدية لن ينساها التاريخ وهو يسجل هذه الحقبة
ثانيا : المؤسسة العسكرية كانت تخشى بالفعل من خروج الأمور عن السيطرة فى أى لحظة وكان شبح الاقتتال الأهلى يجعلها تتوجس خيفة من المستقبل الغامض وفى نفس الوقت كانت تفكر وتحسب ألف مرة سيناريوهات رد فعل الاخوان المتوقعة لذلك أعتقد أن حالة العنف المفرط التى أعقبت 3 يوليو كان مبررها لدى من قاموا بها أنهم يحمون البلاد من خطر أكبر وفتنة أشد ولكن تبقى اراقة الدماء خارج نطاق القانون وتبقى انتهاكات حقوق الانسان وصمة تشوه وجه الوطن مهما تمسك بعضهم بأى مبرر أخر
ثالثا : هناك شخصيات مدنية ساهمت بشكل كبير فى تغذية وتقوية فكرة ترشح وزير الدفاع وهناك شخصيات أخرى كانت تطلب من الأجهزة مزيدا من القمع والقتل وترى أن ما حدث ليس كافيا وستكشف أوراق التاريخ الدور المخزى الذى فعله هؤلاء
ماذا لو شارك الإخوان فى اجتماع خارطة الطريق الذى سبق بيان 3 يوليو؟
هذا السؤال يأخذنا لأسئلة أخرى من نوعية ماذا لو أقال الإخوان الحكومة وغيروا النائب العام وماذا لو وافق مرسى على عمل استفتاء والحقيقة أن الاجابات كلها تقول أن المسار لم يكن حتميا وأن الطريق الذى سارت اليه الأمور كان يمكن ايقافه مثلما فعل نجم الدين أربكان فى تركيا فى التسعينات للحفاظ على المسار الديموقراطى والدستورى ، ولكن دفعنا الثمن بسبب انعزال الاخوان وعدم ادراكهم لما حولهم من متغيرات مع الغرور و الثقة البلهاء التى تحلوا بها واستغراقهم فى أوهام كبرى كانوا يرددونها حتى أخر لحظة فيما بينهم ووسط قواعدهم مثل ( انتشار الجيش قبل 30 يونيو من أجل حماية الشرعية والرئيس مرسى – السيسى حالف يمين للريس وعمره ما هيخرج عليه دا عارف ربنا وملتزم كأنه متربى فى الاخوان – أمريكا مش هتسمح أبدا بأى انقلاب على الرئيس – محدش هيقدر يشيل الاخوان من الحكم عشان عندهم تنظيم موجود فى كل حتة فى مصر – لو عملوا انقلاب الشعب هيقبض عليهم ويحاكمهم وهيقف مع الرئيس مرسى ..... الخ )
واستمرت الاوهام واكاذيب القيادة وتيار ( الانقلاب يترنح ) حتى ترنح الاخوان وفقدت الثورة وعيها ودخلت فى غيبوبة عميقة !
هل كانت الثورة المضادة جزءا من الترتيب ل 30 يونيو أم أنها استفادت مما حدث وقفزت عليه ؟
الثورة المضادة وكل ما يتبعها من جهات وأفراد انتهجوا استراتيجية ( اعمل نفسك ميت ) وتربصوا وكمنوا يرتبون ويعدون العدة ويستفيدون من صراع الاخوان مع الثوار ومن تفتت الثوار ومن ضيق المواطن المتزايد بسبب الاضطرابات السياسية المستمرة ولعبوا على وتر الاستقرار واسترداد الدولة بالتوازى مع مسار تشويه ثورة يناير واغتيالها معنويا هى وشخوصها ، ليستردوا الدولة بالفعل ويمارسوا الانتقام بمختلف الصور التى لم يتوقعها أحد ، وأحمق كل من ظن يوما ان ( ال.... يمكن أن تتوب ) فأعداء الديموقراطية لن يتحولوا يوما الى عشاق لها ، والمفسدون فى الأرض لن يصبحوا هداة راشدين ، وقفزوا على المشهد بالفعل مع التمكين الذى حدث لهم سواء فى الاعلام او المؤسسات والفضاء العام ككل وبدأو موجات النهش والانتقام الذى طال الجميع ، ولكن الزمان يدور والدروس والعبر لا تنتهى وغدا نصلح ما أعوج ونرد من استعلى.
0 التعليقات:
Post a Comment