كم مرة سمعت عن قصة حصان طروادة؟ لا يوجد دليل واحد على صحة هذه الرواية التي سمعتها وقرأتها وشاهدتها عشرات المرات عن الحصان الخشبي المملوء بالمقاتلين الذي استخدمه الإغريق لاقتحام حصون مدينة طروادة بعد حصارها 10 سنوات.
كم مرة قرأت عن قيام معاوية ابن أبي سفيان بقتل الحسن بن علي بالسم بعدما استعان بزوجة الحسن لوضع السم له في الطعام؟ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية إن "قول إن معاوية سم الحسن لم يثبت ببينة شرعية أو إقرار معتبر ولا نقل يجزم به"، كما أوضح ابن خلدون في تاريخه، إن "ما ينقل من أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث من الأحاديث الواهية وحاشا لمعاوية من ذلك".
هل أنت متأكد من أن الحجاج بن يوسف الثقفي هدم الكعبة؟ يقول ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية": "أما ملوك المسلمين من بني أمية وبني العباس ونوابهم، فلا ريب أن أحدا منهم لم يقصد إهانة الكعبة، لا نائب يزيد، ولا نائب عبد الملك الحجاج بن يوسف، ولا غيرهما، بل كان من المسلمين المعظمين للكعبة، وإنما كان مقصودهم حصار ابن الزبير، والضرب بالمنجنيق كان له لا للكعبة، ويزيد لم يهدم الكعبة ولم يقصد إحراقها لا وهو ولا نوابه باتفاق المسلمين".
كم مرة استخدمت اسم هارون الرشيد كمثال على التمتع بالملذات والخمر والجواري؟ قال أبو حامد الغزالي في كتابه "فضائح الباطنية": "وقد حُكِيَ عن إبراهيم بن عبدالله الخراساني أنه قال: حججت مع أبي سنة حج الرشيد فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسر حافٍ على الحصباء، وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكي ويقول يا رب أنت أنت وأنا أنا، أنا العوّاد إلى الذنب وأنت العواد إلى المغفرة، اغفر لي"، كما ذكر الخطيب البغدادي في كتاب "تاريخ بغداد": "وحكى بعض أصحابه أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا؛ وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حج أَحَجّ معه مائة من الفقهاء وأبناءهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة".
***
التاريخ دوما يكتبه المنتصرون، وغالبا يكتبه الكاذبون.
مستاء من وضع صور توفيق عكاشة ومرتضى منصور ولميس الحديدي على كتاب التاريخ؟ ومنذ متى كان كتاب التاريخ في مصر إلا نشرة يكتبها الحكام بأنفسهم عن أنفسهم؟ ومنذ متى تعاملنا مع التاريخ في مصر إلا باعتباره مادة نمتحنها آخر العام ثم ننسى كل ما قرأناه في كتابها؟
يبذل النظام الحالي محاولات مضنية لكتابة تاريخ الثورة وما تلاها وفق وجهة نظره هو، لا يجرؤ على محو 25 يناير تماما من كتب التاريخ لكنه يذكرها في سطور محدودة ودون تفاصيل كثيرة وفي المقابل يحاول التعظيم من شأن 30 يونيو لتبدو هي الثورة الحقيقية التي صححت ما أفسده جيل يناير.
بحث النظام وكتبته عن رموز لـ30 يونيو يمكن وضعها في كتاب التاريخ فلم يجدوا إلا من رأيت صورهم على غلاف الكتاب وقرأت أسماءهم على صفحاته، وصدقني، لو كان هناك رموزا محترمة لـ30 يونيو لنشروا صورها على الفور، لكن للأسف. مفيش!
الأزمة الحقيقية التي يعيشها النظام أنه يريد أن يتعامل مع اللحظة الحالية بنفس الطريقة التي اتبعها عبد الناصر في الستينات، ينسون أن كتب التاريخ ليست مصدرا للمعلومات أصلا في زمن الفيس بوك، يمكنك أن تكتب مجلدات عن براءة الشرطة من دماء ثوار يناير ومسؤولية عناصر الإخوان وحماس عن قتلهم، لكن كل هذه الادعاءات تسقط فورا وتلقى في سلة المهملات بمجرد فتح موقع يوتيوب ووضع عبارة "الشرطة + يناير" في محرك البحث.
الأزمة الأخرى التي يعيشها نظام السيسي هي ولاؤه لمبارك ونظامه، لم يذكر الرئيس المخلوع ولا عصره بسوء إلا عندما يريد الدفاع عن نفسه فيتحدث فقط عن عدم صيانة محطات الكهرباء على مدار 30 عاما أو عن تدهور الخدمات لعقود، لكن كتب تاريخه لم تتحدث عن فساد رجال الأعمال وتزوير الانتخابات وإضعاف الأحزاب وتدمير الاقتصاد في زمن مبارك، كما تحدثت عن كل نقيصة في عصر الإخوان.
ولاؤهم لدولة مبارك سيفسد كل محاولاتهم لتفادي مصيره، وولاؤنا للثورة سيفسد كل محاولاتهم لتشويهها، وإذا التلاميذ سيصدقونكم حين يقرأوا، فإنهم سيكتشفون كذبكم بمجرد أن يفتحوا أعينهم.
0 التعليقات:
Post a Comment