شهدت أسعار النفط تراجعا ملموسا خلال الأسابيع الأخيرة ، لتنخفض من حوالى 116 دولار للبرميل لخام برنت فى منتصف شهر يونيو الماضى ، إلى أقل من 84 دولار للبرميل يوم الأربعاء الماضى بتراجع 28 % .
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية مزيدا من التراجع السعرى للنفط ، خاصة مع زيادة المعروض عن الطلب ، حيث توقعت الوكالة الدولية انخفاض كمية الطلب عما سبق اعلانه من تقديرات سواء من قبل الوكالة أو من قبل منظمة أوبك .
يدعم ذلك احتمالات زيادة الانتاج الأمريكى من النفط الصخرى بما يقلل من استيرادها ، والانتاج الايرانى من النفط اذا نجحت مباحثاتها النووية مع الغرب ، وزيادة الانتاج الليبى مؤخرا ، والنفط العراقى الجنوبى البعيد عن أحداث القتال مع داعش ، وعزم الكويت زيادة انتاجها ، وبما يشير لاخلاتف المصالح داخل دول أوبك ، مما يقلل من فرص اتفاقها على خفض الانتاج فى اجتماعها أواخر الشهر القادم .
بينما توقع آخرون أن يساهم الطلب على المنتجات البترولية للتدفئة خلال فصل الشتاء ، فى المزيد من طلب المصافى للنفط بما يساهم فى تماسك أسعاره ، إلا أن أصحاب الرأى الذى يتوقع مزيدا من الانخفاض للسعر ، يستندون الى ضعف معدت النمو فى أوربا واليابان وانخفاضها بالصين ، ودورها فى تقليل الطلب بما يعزز استمرار الإنخفاض السعرى .
ولم يسلم الأمر من تفسير سياسى لتراجع أسعار النفط ، من خلال الضغط على دول تعتمد عليه ايراداتها بشكل كبير مثل روسيا وايران ، للحد من مواقفها المناهضة للغرب فى أوكرانيا بالنسبة لروسيا ، وفى سوريا والعراق ولبنان واليمن بالنسبة لإيران ، ودفعها للتساهل فى مباحثات الملف النووى .
وفيما يخص موقف مصر من تراجع أسعار النفط ، فإن مصر منذ عدة سنوات قد دخلت نطاق الدول المستوردة الصافية للبترول ، وصندوق النقد الدولى يضعها ضمن تلك الدول منذ سنوات ، وبالتالى فإنها مستفيدة من ذلك التراجع السعرى .
ورغم كون مصر تصدر كمية صغيرة من الخام والمنتجات المكررة ، فإن الكميات المستوردة من الخام والمشتقات من سولار ومازوت وبتوجاز وبنزين أكبر فى الحجم والقيمة من الكميات التى يتم تصديرها .
وهاهى بينات التقرير السنوى لمنظمة أوبك ، تشير الى بلوغ الانتاج المصرى من الخام خلال العام الماضى 530 ألف برميل يوميا ، بينما يبلغ استهلاكها اليومى 756 ألف برميل يومى ، وبما يعنى بلوغ نسبة الاكتفاء الذاتى 70 % ، ومن هنا تستورد مصر خام ومنتجات بترولية تبلغ قيمتها نحو مليار دولار شهريا .
واذا كانت بيانات وزارة البترول المصرية تشير الى أن الانتاج المصرى من الخام والمتكثفات 650 ألف برميل يومى ، فإن حصة الشريك الأجنبى بتلك الكميات حوالى 45 % ، أى حوالى 300 ألف برميل يومى ، تقوم مصر بشرائها منه بتكلفة يومية تتراح بين 25 مليون الى 30 مليون دولار .
وهو الشراء الذى يتم منذ عام 1995 وحتى الآن ، والذى ترتب على عدم سداد قيمته كاملة وجود متأخرات للشركات الأجنبية العاملة فى مصر ، مما دفعها للتوقف عن الاستثمار ، الأمر الذى دعا الحكومة لتقسيط تلك المديونية لدفع الشركات الأجنبية لمواصلة الاستثمار والانتاج لتعويض النقص المحلى من الانتاج .
ونظرا لعدم كفاية ما تحصل عليه مصر من الشريك الأجنبى للاستهك المحلى المتزايد ، فقد لجأت لاستيراد الكميات المتبقية ، وساهمت دول الخليج الثلاثة السعودية والامارات والكويت خلال العام المالى الأخير فى تغطية تلك الفجوة ، وبعد أن انتهت المنح النفطية السعودية فى أغسطس الماضى .
فقد تم الاتفاق مع شركة اماراتية لتغطية 65 % من الكميات المطلوب استيرادها بتسهيلات طويلة الأجل فى الدفع ، طوال العام الممتد وحتى سبتمبر من العام القادم ، وكذلك الاتفاق مع الكويت لاستيراد بترول خام بنحو 5ر3 مليار دولار خل العام المالى الحالى .
وهكذا يتضح أن انخفاض الأسعار العالمية للنفط ، والتى يتم محاسبة الشركات الأجنبية على أساسها حين يتم شراء ما تنتجه محليا ، وكذلك الكميات المشتراه من الكويت والامارات وغيرها ، سوف تقل تكلفتها فى ضوء تراجع السعر العالمى .
وهنا يتساءل الكثيرين ممن اكتووا بزيادة أسعار المنتجات البترولية فى أوائل يوليو الماضى ، هل يتم خفض أسعار المنتجات البترولية محليا ، مثلما تفعل الأردن حين تخفض أسعار المنتجات البترولية بها للجمهور مع كل انخفاض لأسعارها العالمية ؟
ويدعمون مطلبهم بأن موازنة الحكومة المصرية قد قدرت سعر النفط بنحو 111 دولار للبرميل عند اعدادها ، وتحديد مائة مليار جنيه كدعم للمنتجات البترولية فى اطار ذلك السعر ، وذلك فيما بعد الزيادات السعرية للمنتجات البترولية التى تمت فى يوليو الماضى ، أى أنه فى ضوء تراجع السعر الى 84 دولار للبرميل ، فقد انخفضت التكلفة للشراء للخام والمنتجات البترولية .
وأن بيانات ميزان المدفوعات المصرى للعام المالى الأخير 2013/2014، والمنتهى آخر يونيو الماضى وقبل الإنخفاضات السعرية للبترول ، تشير الى أن قيمة العجز ، بين الصادرات البترولية والواردات البترولية قد بلغت 794 مليون دولار فقط .
وذلك دون احتساب قيمة المنح البترولية الخليجية ، والتى بلغت قيمتها خلال ذلك العام المالى حوالى 11 مليار دولار ، مما يدعو لاستفادة الجمهور المباشرة من الدعم النفطى الخيجى الذى جاء للمصريين ، بدلا من استحواز الحكومة عليه ورفع الأسعار رغم وصوله.
لكن الواقع المصرى يشير الى أن نظام تسعير المنتجات البترولية محليا ، تحتكره هيئة البترول ، ولا يخضع لعوامل العرض والطلب مثلما يحدث بالأردن وكثير من الدول الغربية ، ولهذا ستظل أسعار المنتجات البترولية من سولار وكيروسين ومازوت وبنزين بنوعياته الثلاث ، بلا تغير فى الوقت الحالى ، عما تم اعلانه من زيادات لها فى الخامس من يوليو الماضى .
بل أنه من المتوقع أن تنفذ الحكومة ما أشار إليه وزير البترول فيما بعد زيادات يوليو السعرية ، من أنه هناك خطة للحكومة لتحريك أسعار المنتجات البترولية تدريجيا ، بحيث يتم خفض دعم تلك المنتجات بنسبة 80 % على خمس سنوات ، ومن هنا علينا توقع زيادة السعر للبنزين وللسولار وليس انخفاضه ، رغم تراجع الأسعار العالمية للنفط !
0 التعليقات:
Post a Comment