تأخر اعتذار جماعة الإخوان المسلمين لأبطال موقعة شارع محمد محمود في القاهرة سنوات. لكن، أن تعتذر متأخراً خير من ألا تعتذر على الإطلاق.
تلك اللافتة التي ارتفعت في مسيرات مناهضة للانقلاب، أمس، كانت مطلوبة في أوقات سابقة، كما أن لافتات اعتذار أخرى عن خطايا التهليل للإبادة الجماعية للإخوان في مجازر عدة بدأت بميداني رابعة العدوية والنهضة وعدة من مجازر أُخَر، تبقى مطلوبة وواجبة.
في مثل هذه الأيام، منذ ثلاث سنوات، وتحديدا في الأسبوع الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، قدّم المجلس العسكري فاصلاً من التعامل مع ثوار مصر على طريقة "سورية والعراق".
في تلك الأيام، كان عار كبير قد تمدد على أرضية ميدان التحرير، حين تجمعت ضباع للفتك بثورة يناير، وارتكبت الدولة الأمنية المعسكرة أكثر الجرائم بشاعة ضد الثوار، وارتكبت "جماعة الإخوان" أكثر الخطايا الثورية حمقاً، حين ابتلعت الطعم الذي ألقاه المجلس العسكري، وغضت الطرف عن سحق الثوار، إيثاراً لمسار الانتخابات البرلمانية المعطوبة.
في ذلك اليوم الأسود، نجحت عملية زراعة الألغام العسكرية في ميادين الثورة المصرية، لتنفجر في وجه جميع شركائها، وتتكاثر شيئاً فشيئاً، حتى جاءت لحظة الانقضاض الكامل في انقلاب 30 يونيو 2013، المتدثر في عباءة ثورة مضادة.
في ذلك اليوم، كتبت "قالوا لنا احمدوا ربنا إننا لم نفعل فيكم كما فعل جيش بشار في سورية، ويبدو أنهم ندموا، وها هم، الآن، يتصرفون مثله، فبين "معرّة النعمان" و"معرّة التحرير" أوجه تشابه تنطق بالعار ذاته".
في "معرّة النعمان" السورية، قصف عسكر بشار الأسد الثوار بالقنابل المسمارية، وفي ميدان التحرير، كانت "معرّة" أخرى، حين هجموا على الثوار العزل بالرصاص الحي وقنابل الغاز الجديدة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، حتى الآن، فسقطت ورقة التوت، ولم يعد من حق أحد أن يعاير المصريين بأنه لم يُعمل فيهم آلة القتل، كما فعل ابن الأسد.
على أن "المعرّة" تمدّدت واستطالت، لتلحق بمعظم الأحزاب والقوى السياسية التي بقيت منشغلة ومستغرقة في حساب "غنائم الصناديق"، من دون أن تقدم على خطوة محترمة، توفر سقفاً سياسياً وأخلاقياً، ربما كان من الممكن أن يحمي الثوار من القنابل المنهمرة فوق رؤوسهم جزئياً، وليت بعضهم اكتفى بالسكوت، بل قرّر ألا يفوّت الفرصة، وشارك في الجريمة بإطلاق تصريحات بذيئة ومسفّة من نوعية أن الموجودين في التحرير ليسوا سوى أناس يقطعون الطريق على الشعب الحالم بالديمقراطية والانتخابات، كما أعلنها بركة الإخوان ونجم شباك الجماعة وحزبها في مداخلة مع قناة الجزيرة، وبعدها بدقائق، بدأت عملية "الرصاص المصبوب" على الثوار، فسقط عشرات الشهداء.
مازلت أذكر "قطّاع طريق الديمقراطية" في ذلك اليوم، بعضهم ما يزال صامداً قابضاً على الجمر، ومنهم من جفل وأناخ كالبعير المتعبة، كان معنا في الميدان يصارع وحشية رائحة قنابل الغاز السامة، المستشار زكريا عبدالعزيز، رئيس نادى قضاة مصر الأسبق، والدكتور كمال الهلباوي، وسعد هجرس (أين هم الآن؟)، وكان، أيضاً، الدكتور محمد البلتاجي وابنته الشهيدة أسماء، وعشرات من الرموز المصرية النبيلة، وقبل كل هؤلاء "مجموعة من أنبل الشباب من جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، رأيتهم بعيني في الصفوف الأمامية للثوار، متمردين على خنوع القيادات التي لم تكتفِ بالاستلقاء على الأرائك، فقررت أن تبتذل المشهد كله، وتهينه باتهامات منحطة"، كما سجلت في مقال منشور حينها.
إن كل الأطراف باتت مدينة بالاعتذار لثورتها الآن.
0 التعليقات:
Post a Comment