فى مصر فقط يزدحم الطريق فجأة بلا سبب وتتوقف أرتال السيارات، ويضج سائقوها بالشكوى من الزحام وشلل المرور ثم فجأة تجد الزحام قد اختفى تماما والسيارات تجرى بسرعة ولا يهتم أحد بالسؤال لماذا كان الطريق متوقفا وإذا حاولت ان تعرف السبب لن تعرف؟ ومثل المرور فى مصر أصبحت السياسة تمامًا هى الوجه المقابل للمرور.

على مدار شهور متتالية كانت قطر العامل المشترك فى الهجوم الاعلامى المركز لدى إعلاميي السلطة وأبواقها ، لا أحد ينسى كيف وصل للهجوم للتجريح والقذف البذىء لشخص والدة أمير قطر شخصيا وهناك فيديو مشهور لأحد الوجوه الكريهة الذى خاض فى عرض السيدة بشكل صريح ، بالإضافة الى أحاديث المؤامرة الكونية التى كانت قطر تقف دائما فى صدارتها ، اتهامات لقطر بتمويل الارهاب وصلت لقول أحد هذه الأبواق أن قطر هى من نفذت عملية كرم القواديس وقبلها مجزرة الوادى الجديد وسبق ذلك اتهام للرئيس المخلوع محمد مرسى بالتخابر مع قطر هو وعدد من مساعديه ومازالت هذه الاتهامات محل نظر القضاء ، شيطنة قطر وتعظيم حجم مؤامرتها وكراهيتها لمصر فاق كل الحدود المنطقية التى يمكن تفهمها ، ورغم أننا سياسيا ندرك عدم ترحيب النظام القطرى بالسلطة الجديدة فى مصر عقب 3 يوليو وما بدا من دعم قطر للاخوان عبر قناتها الأشهر فى العالم العربى ( قناة الجزيرة ) التى أخذت موقفا حادا من السلطة الجديدة إلا أنه لا يمكن إنكار ( الأفورة ) فى تناول دور قطر ضد مصر حتى صار الاعلام المصرى يتحدث عن أدوار كبرى وخيالية لدولة عظمى وليس لدولة صغيرة عدد سكانها يقل عن عدد سكان حى واحد من أحياء القاهرة الكبرى

اليوم تتحول قطر – بطلب سعودى وقبول مصرى – إلى قطر الدولة العربية الشقيقة وليست قطر العميلة للغرب والمتآمرة على شعب مصر ونظامها ، اليوم تأخذ الأبواق الإعلامية أوامر بوقف وصلات ( الردح ) والقباحة وإلقاء الاتهامات سواء الحقيقية أو الخيالية ، اليوم مطلوب من الشعب المصرى أن يتعامل مع قطر كدولة شقيقة وليست معادية ؟ فهل يمكن ذلك ؟ وهل لدى أحدهم لوحة تحكم مركزية يوجه بها الجماهير كما يوجه بها وسائل الإعلام التابعة له ؟

فى السياسة لا يوجد عدو دائم ولا حليف دائم ، تتبدل الصراعات والعداوات والمواقف حسب خريطة المصالح والتوازنات ، والعلاقات الدولية لا يمكن أن تُدار بعقلية ( كيداهم ) ولا يمكن أن تترك الساحة لبعض المخبولين الموتورين المحسوبين زورا على الاعلاميين ليرسموا لمصر سياساتها وتوجهاتها

كان من الممكن أن ترفض مواقف قطر دون بذاءة وسب وقذف فى الأعراض ، كان من الممكن أن ترفض مواقف أردوغان دون أن تفبرك أخبار من عينة المتظاهرين الاتراك يستنجدون بالسيسى ، كان من الممكن أن تخوض معارك شريفة تدافع فيها عن وجهة نظرك كما تشاء ولكن كيف يفعل هذا من صناعتهم الشتم والقذف والفبركة والأفورة المقيتة ؟

أشفق على هؤلاء الراقصين والمطبلين الأن ماذا سيفعلون بعد أن صدرت الأوامر الجديدة تجاه قطر ؟ وأشفق على أمثالهم أيضا حين ستتغير علاقة السلطة بالاخوان فى يوم ليس بالبعيد حين ستحتاج السلطة للإخوان لإيقاف المد الداعشى الفكرى ومحاربته بفكر أقل تطرفا ويمكن وضعه تحت حدود السيطرة ، وأشفق عليهم حين سيتغير موقف السلطة من النظام التركى عن قريب تحت وطأة المعادلات الإقليمية التى ستجبر جميع دول المنطقة على إعادة ترتيب الأولويات وتنحية كثيرا من الخلافات والتكاتف لمواجهة أخطارا أكبر تهدد الجميع !

الشاهد من نموذج الأزمة المصرية القطرية وتطوراتها أن السياسة تتغير والمواقع تتبدل وأن ما قد تراه اليوم مستحيلا قد يصبح غدا ممكنا بل وواقعا يفرض نفسه ، لعل حزب الأفورة والحزق الوطنى فى مصر يهدأ قليلا ويتعظ فالزمان دوار ..

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -