1-
على لوحة إعلانات بطريق الإسماعيلية الصحراوي تدلى جثمان فرج رزق فرج بعدما انتحر شنقًا للخلاص من ديونه المتراكمة وعجزه عن تلبية متطلبات أسرته.
من عمارة سكنية بمدينة العاشر من رمضان كانت جثة أشرف صابر صليب معلقة في حبل غسيل تنتظر معاينة النيابة بعدما انتحر شنقًا لمروره بضائقة مالية لم يقدر على تجاوزها.
فرج مسلم وأشرف مسيحي.. هل هذا يهم؟
2-
لفترة طويلة ترسخ اعتقاد أكيد لدى كثير من المصريين بأنه لا يوجد مسيحيون فقراء، وأن الكنيسة توزع الأموال ببذخ على أتباعها من الأموال التي تنهمر عليها من الخارج، وإذا حاولت أن تجادل أحدا في هذه القناعة رد عليك فورا: "عمرك شفت شحات مسيحي؟".
ولأن الإجابة على الأسئلة الوجودية لا تكون إلا بأسئلة وجودية أخرى، فاسأل سائلك: "يعني انت عمرك طلبت من شحات بطاقته الشخصية؟".
المسلمون والمسيحيون شركاء في وطن واحد، وفي فقر واحد أيضًا.
3-
كان بوسع فرج وأشرف أن ينتحرا في الخفاء. حبل معلق في سقف الغرفة يشنقان به نفسيهما ليتركا الدنيا في هدوء دون ضجيج كعشرات غيرهما، وليقتصر الأمر على خبر صغير لا يلفت نظر أحد: "انتحار موظف في سقف غرفته لمروره بضائقة مالية".
لكن يبدو أنهما أرادًا رحيلًا مختلفًا، رحيل أقرب إلى صرخة في وجه التجاهل، فإذا كان المجتمع لم يشعر بهما أحياء فمن الظلم أن يموتا أيضا دون أن يشعر بهما أحد.
أرادا كشفنا أمام أنفسنا، اهتمام بالحادث لا يتجاوز أيام، جدل حول مصير المنتحر في الآخرة، صورة تسيطر على صفحات «فيس بوك» و«تويتر» لبعض الوقت، استغلال سياسي للواقعة من كل الأطراف، ثم يبحث الجميع عن شيء آخر يشغله وكأن شيئا لم يكن.
4-
يصاب الكثيرون باليأس والرغبة في الموت، بعضهم يقتل نفسه وفقط، وبعضهم يقرر أن يأخذ معه أكبر عدد ممكن.
تُحسن الجماعات التكفيرية والإرهابية اختيار اليائسين، بعض الراغبين في الموت يخشون من الإقدام على الانتحار حتى لا يخسروا الآخرة كما خسروا الدنيا، هؤلاء جاهزون تمامًا للاقتناع بأي منهج يجعل من الانتحار بطولة من بعدها الجنة، وصيدٌ سهل لتنظيمات تحتاج إلى قنابل متحركة وتمتلك منظّرين يجعلون من قتل النفس والغير جهاد في سبيل الله.
نجحت السلطات المتتالية في جعل الموت عند الآلاف أحب من الحياة، ولذلك ثمن سيدفعه الجميع.
5-
في معاركنا السياسية والنخبوية الكبيرة ندهس بشرًا لا تعنيهم خلافاتنا ولا يهتمون إن كانت الانتخابات ستجرى بالقائمة النسبية أم المفتوحة ولا يهتمون إن كانت ستجرى أصلا.
السياسة في أبسط تعريفاتها تنافس على تقديم حياة أفضل للمواطنين، لكن الأمر عندنا مختلف، إذ تتنافس السلطة والمعارضة على جعل الحياة أكثر كآبة.
استبدلنا رئيس يغلق الشباك أمام دخول الهواء برئيس أغلق باب الخروج، وعندما أردنا استبدال الثاني جاء رئيس حافظ على إغلاق الشباك والباب وأشعل النار في البيت من الداخل.
0 التعليقات:
Post a Comment