صورة ارشيفية من فض رابعة
تحت عنوان " دولة مصر البوليسية الجديدة"، قالت الكاتبة سارة خورشيد في مقال بصحيفة نيويورك تايمز إن مصر تبدو متجهة لستينيات القرن الماضي، عندما أسس جمال عبد الناصر سابقة في العالم العربي بخلق دولة بوليسية تقمع معارضيها بوحشية وتغرس الخوف بين مواطنيها.

وفيما يلي نص المقال:

الأسبوع الماضي، ظهيرة ثلاثاء بدا هادئا، كنت شاهدة على ما يمكن أن يعنيه الحياة في ظل جو يتسم بالمغالاة في القومية، يعمد خلاله مواطنون عاديون، بتشجيع من الدول والإعلام الحليف، بالإبلاغ عن بني جلدتهم من المصريين.

كنت أجلس في مقهى بالقاهرة مع شقيقتي، ورئيس تحرير صحيفة لوموند ديبلوماتيك السابق آلان جريش، لمناقشة الوضع في في مصر، عندما قامت إحدى الزبائن بالنهوض، وصرخت فينا: ” أنتم تدمرون الوطن"..وحاولنا تجاهلها، لكننا لم ندرك أنها أبلغت ضباط شرطة بالخارج أن أجنبيا مع مصريتين يخططون ضد الوطن.

وبمجرد أن أنهينا لقاءنا وغادرنا المقهى، الذي يقع بالقرب من السفاراتين الأمريكية والبريطانية، أوقفنا ضابط شرطة أخذ بطاقتي الهوية الخاصة بنا، بالإضافة إلى جواز سفر آلان جريش، وبدأ في استجوابنا، ووجه سؤالا للصحفي الفرنسي عن أسباب وجوده في مصر، وسألني عن كيفية وأسباب معرفتي به.

وأخبرني أنهم وجدوا، من خلال التنصت علينا، أنني أكتب لصحيفة مصرية، واكتشف أيضا أنني أحمل درجة بكالوريوس، في العلوم السياسية، كما لو كان ذلك دليل على ضلوعي في أنشطة محرضة.

وبينما ظللت رهن الاعتقال على مدى ساعتين، تذكرت مقابلة مع صديق سوري في مقهى بدمشق عام 2008، حين بدأت التحدث بشكل معتاد عن السياسة، عندما أوقفني فجأة، هامسا لي أن النادلة يمكنها الإبلاغ عنا للشرطة السورية، وأدركت وقتها كم يبدو الوضع سيئا في سوريا، وكيف أن لدينا بالمقارنة هامش من الانفتاح في عهد حسني مبارك.

أرى مصر الآن تتجه في نفس المسار، لم أكن أتخيل منذ ثلاث سنوات، بعد الإطاحة بمبارك، أننا يمكن أن نصل إلى هذا الحد.

كان ينبغي توقع الوصول إلى ذلك المردود، فالرئيس عبد الفتاح السيسي، قائد الدفاع السابق الذي أطاح بمحمد مرسي وسط احتجاجات شعبية ضد الإخوان المسلمين يحذر مرارا المواطنين ضد "مؤامرة" لإسقاط مصر، والعديد من صحفيي الجزيرة رهن الحبس منذ شهور، والإعلام المملوك من رجال أعمال موالون للسيسي يغرسون في المصريين خوفا من أي شخص يجرؤ على انتقاد الوضع الراهن، أو يتساءل عن الأداء الحكومي والأجهزة الأمنية ويوجهون إلينا برسالة مفادها: ” دعموا الدولة، وامتنعوا عن انتقادها، أو ستسقط مصر في ذات المصير الذي يواجه سوريا وليبيا والعراق".

الوضع الحالي أسوأ مما كان عليه في عهد مبارك، حينما كان الإعلام الحكومي فحسب هو من يتبنى سياسة تحريرية موالية للحكومة، بينما كان الإعلام الخاص أكثر انفتاحا للآراء المتنوعة..لكن الآن تبدو الصفوة الحاكمة أقل ثقة في قدرتها على تحمل النقد.

مساحة حرية التعبير تضيق، فبعد عزل مرسي، أُغلقت قنوات التلفاز المؤيدة للإخوان، وحُظر الإسلاميون من الظهور في القنوات الحكومية والخاصة.

وعلى مدى شهور، بدأت الأصوات غير الإسلامية الليبرالية في الاختفاء، وأصبح واضحا أن الأصوات الناقدة بشتى أنواعها لم تعد موضع ترحيب، مثل حالة باسم يوسف صاحب النسخة المصرية من برنامج ذا ديلي شو" لجون ستيوارت.

وهناك مثال آخر أكثر حداثة، بعد أن قتل مسلحون 30 جنديا في شبه جزيرة سيناء، حيث أصدر رؤساء تحرير 17 مؤسسة إعلامية حكوميا وخاصا بيانا مشتركا تعهدوا فيه بمحاربة "تسلل عناصر مؤيدة للإرهاب في الصحافة"، واعتبار أي شخص يلقي ظلالا من الشك في كفاءة الحكومة ووزارة الداخلية والقوات المسلحة داعما للإرهاب بشكل تلقائي.

هذه الرسالة يصدقها على نحو واسع العديد من المصريين، الذين دعموا بدافع اليأس نظاما قمعيا، آملين في تجنب مصير الدول المجاورة المضطربة.

وهكذا تتقهقر مصر لحقبة الستينيات، حينما كان الأبناء يبلغون الشرطة عن آبائهم.

المرأة التي أبلغت عنا بدت مثل أي سيدة مصرية عادية، مثل أي أم بين الجيران..إنها تنتمي للطبقة فوق المتوسطة، وتبدو في العقد السادس من عمرها، وترتدي "حجابا" مثلي ومثل شقيقتي.

لقد بدت غاضبة ومخلصة..ورأيت العديد من الأشخاص على شاكلتها خلال الشهور الماضية..حتى في وسط دائرتي الخاصة.أشخاص عاديون يعتقدون أنهم يخدمون بلدهم عبر الشك في ولاء مواطنين آخرين.

لا يهم كيف يبدو هؤلاء الأشخاص أو الفئات الاجتماعية الاقتصادية التي ينتمون إليها، قد يكونوا رجالا أو نساء، علمانيين أو مناهضين للعلمانية.

الانقسامات شديدة العمق، على نحو يجعل أصحاب الآراء المعارضة يجدون صعوبة أكثر في تحدي الرأي السائد..ولم لا وهم يجدون السياسيين ومقدمي البرامج الذين يثقون فيهم يحرضون ضد "الخونة"، الذين يخططون مع "جهات أجنبية"، ضد الدولة المصرية والجيش.

وبعد اتصال آلان جريش بالسفارة الأمريكية ونقيب الصحفيين، تلقى أحد أفراد الأمن الذين يحققون معه اتصالا هاتفيا..قبل أن يطمئنه الأخير أنه سيعيد جواز سفر جريش، ويسمح له بالمغادرة.

ولحسن الحظ، بالنسبة لي وشقيقتي، أصر جريش على البقاء حتى الإفراج عنا..وبعد فترة من المواجهة، أعاد إلينا الضباط بطاقتي الهوية، وتركونا نغادر.

ويمكن افتراض أن المتصل، مهما كان هويته، خشى من فضيحة تنتشر في الإعلام الأجنبي، حول احتجاز صحفي فرنسي والتحقيق معه دون سبب..ويحتمل أن هذا هو ذات السبب الذي حدا بوزارة الداخلية الاتصال بآلان جريش، طالبين منه مقابلة مسؤول حقوق الإنسان بالوزارة، والذي اعتذر له عما حدث.

وبعد كل ما حدث، ترغب حكومة السيسي بدهاء في جذب الصحافة الأجنبية نحوها، مع التشديد على التقارير بالداخل.

السيسي وعابدوه لا يدركون إلا قليلا أن قمع حرية التعبير لم يحم الدول الاستبدادية في الماضي، كما لن يجعل مصر الحالية أكثر أمنا.


مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -