من حيث يريد الانقلاب في مصر أن يردع ويمنع، فإنه يقوم بكل ما من شأنه أن يؤدي إلى نقيض ذلك في النشر والانتشار، لا التطويق والانحسار، فيعبر الانقلاب عن حالة حماقة مستحكمة، فما زال الانقلاب يتغابى، ويتحرّى الحماقة، حتى صار يمارس أغبى السياسات، وأعتى الحماقات.

7 الصبح: قررن التعبير عن الرفض لما يصفنه بـ"الانقلاب"، أسسن حركة سياسية جديدة ومختلفة، تحت اسم "7 الصبح". لكن لم يعرفن أن أول نشاط سيلقي بهن 11 عاما في السجون. إنهن 21 سيدة وبنتاً من الإسكندرية، خرجن في الصباح الباكر يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول قبل الماضي، في مسيرة احتجاجية. مسيرة "7 الصبح" اختارت التوقيت المبكر للتقاطع مع الطلبة والموظفين في الطريق إلى "أشغالهم". لكن محكمة جنح سيدي جابر أقرت اتهامهن بالتجمهر، والبلطجة، وإتلاف ممتلكات المواطنين، وحيازة أدوات الاعتداء على مواطنين.وكان مجموع العقوبات لهذه الاتهامات 11 عاماً وشهراً لكل سيدة، مع إيداع القاصرات مؤسسة الأحداث "إيداعا مفتوحا"، وهو ما اضطروا إلى التراجع عنه، بعد أن جابت فضيحتهم الآفاق في الداخل والخارج.

إعدامات بالجملة: كانت محكمة جنايات المنيا قد أصدرت قرارًا في يوم 24 من مارس/آذار بإحالة أوراق 529 متهمًا إلى المفتي، لاستطلاع رأيه الشرعي، تمهيدًا لإصدار حكم بإعدامهم، وأجلت القضية إلى 28 من أبريل/نيسان، للنطق بالحكم، وقد أصدرت الحكم بإعدام 37 والمؤبد لـ492. وعلى الرغم من رد الفعل القوي على المستويين، المحلي والدولي، حول إحالة هذا الكم من المتهمين للمفتي، أعادت المحكمة الإجراء نفسه في قضية أخرى، وأحالت أوراق 683 متهمًا في أحداث مركز العدوى إلى المفتي، لاستطلاع رأيه الشرعي بشأن إعدامهم. أحكام اللامعقول لم تعد أمرا مقبولا. ملصق "هل صليت على النبي؟": تشن وزارة الداخلية المصرية حملة واسعة لإزالة هذا الملصق، معتبرة أن انتشاره بهذه السرعة والكثافة يشي بوقوف أطراف سياسية وراءه، متهمة جماعة الإخوان المسلمين بأنها قد تتخذ منه شعارًا جديدًا، أو قد يحمل شفرة للقيام بأعمال إرهابية. إلا أن حملة الشرطة وأجهزة الإعلام قوبلت بتحدٍ من المصريين الذين ساعدوا في انتشار الملصق بشكل أوسع من قبل. وعلى الرغم من أن مثل هذه الملصقات تنتشر في مصر منذ عهود طويلة، ولا تشكل أي إزعاج للسلطات، إلا أن الهوس الأمني اتخذها عدوًا. ادعت الداخلية أن الملصق يحمل توجهًا طائفيًا، وتم، باستمرار، توجيه الحملة لمواجهة تلك الظاهرة، وسيتم القضاء عليها قريباً جدًا.

"ملصق" صغير يحتوي على جملة من خمس كلمات، كشف هشاشة تفكير "بعض" الإعلاميين المصريين، وهاجس الخوف من أي كلمات ذات مدلول دعوي أو ديني، حتى ولو كانت تذكرة أو عظة، ما يدل على حالة التجييش الإعلامي والسياسي التي يقودها "البعض" ضد التوجه العام للمصريين، "شيطنة الإسلاميين"، وتعميق الفرقة داخل المجتمع، وما كان للملصق أن ينتشر، إلا بعد حملة أمنية غبية. دهب والكلابشات: قرر نائب عام الانقلاب الإرهابي الإفراج عن المعتقلة دهب حمدي ووليدتها، بعد فضيحتهم محليًّا ودوليًّا، خصوصاً بعد وضع مولودتها الأولى "حرية"، وهي مقيدة بالكلابشات داخل مستشفى الزيتون شرق القاهرة، في صورة لا تحدث حتى في سجون الاحتلال؛ حيث عكست صورتها وهي بالكلابشات مدى البطش والهوس الأمني. كانت دهب قد تم اعتقالها وهي حامل في شهرها السابع، بتهمة الإرهاب، وجددوا حبسها حتى وضعت مولودتها وبيدها "الكلابشات". انتشار الفضيحة لم يكن إلا نتاج أفعالهم القبيحة.

محمد سلطان مضرب عن الطعام: حالة إنسانية فريدة، عاشها المصريون عقب مشاهدتهم جلسة محاكمة الناشط السياسي، محمد سلطان، التي التقى فيها بوالده الدكتور صلاح سلطان؛ حيث يعاني الابن من تدهور في حالته الصحية، إثر إضرابه الكامل عن الطعام منذ 26 يناير/كانون الثاني 2014، عقب اعتقاله بخمسة أشهر، وقد جمعت صورة الأب وهو يحتضن ابنه ويقبله. وهي الصورة التي شغلت الناشطين على منصات التواصل، ونشروها على نطاق واسع، تعاطفاً مع الحالة التي وصل إليها محمد سُلْطَان. واللافت أن الصورة أصبحت الصورة الشخصية لناشطين كثيرين من كل التيارات، تلك الصورة التي يهتز لها ضمير الإنسانية، حيث أرادوا أن يطوقوا المشهد، فاتسعت دائرة التعاطف معه.

طالب الرواية: أُلقي القبض على الطالب محمد طه، أثناء وجوده أمام الباب الرئيسي لجامعة القاهرة، وفي حوزته أدوات تخص أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، ورواية بعنوان "1984". إلا أن محضر التحريات أبرز الرواية وكأنها تهمة، خصوصا لتضمنه ما يفيد أنها ضد الأنظمة العسكرية والديكتاتورية. وسخر كثيرون من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من الحكومة المصرية. كما حققت الرواية في نسختها الإلكترونية معدلات تحميل غير مسبوقة. وهكذا يتضح أنه كلما سعت السلطة الفاشية إلى حجب شيء، انتشر بقوة، وربما ما كان له أن ينتشر بهذه السرعة والقوة، إلا لرغبة السلطة نفسها في منعه. ويتحرك الإفلاس الانقلابي في بيئة يتفاعل فيها الهوس الأمني مع الحماقة الانقلابية والسفه الاستبدادي، لا يمارس أدنى درجات التعقل، ومنذ متى ملك الباطش عقله؟ وكيف يمكن أن يتصرف الطاغي برشده؟ وأنّى للمستبد أن يتحاشى حمقه وسفهه؟ فهذه سياسات أمنية اعتمدها الانقلاب، ليمارس بدعوى الأمن سياسات غبية، بأدوات حمقاء. أهل منظومة الانقلاب يحسبون كل صيحة عليهم، يمارسون أقصى درجات البطش للمنع والردع، فإذا بها تنقلب إلى حالة من التحدي والانتشار، بعكس المقصود من تحقيق حالة حصار وانحسار.

بين الهوس الأمني والغباء والانقلاب والسفه الاستبدادي، تولد الحماقة الانقلابية، لتشكل عالماً من اللامعقول واللامقبول، يريد أن يمنع فإذا به ينتشر، يريد أن يردع فتصير فضيحة في الداخل والخارج. إنه الإفلاس السياسي الانقلابي، حينما تكون تلك طرائق تفكير حمقاء وأساليب تدبير خرقاء. لكلِ داءٍ دواءٌ يستطبّ بهِ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
 

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -