ـ لا يشبه الحزن المصري أحداً مثلما يشبه حسن الأسمر، عندما تستمع إليه يغني أغنية حزايني يفتتحها بموال غارق في الأسى لن تشعر بالضيق أبداً، لأنك تعلم أن هذا الحزن ليس سوى فاصل بين عبثين وبهجتين، وأنه بعد ثوانٍ ستكون هناك راقصة تهز أردافها على وقع كوبليه يقول ضمن ما يقوله: "كتر البكا طفّى الشمعة".
|
ـ إذا كنت ممّن لا يعتقدون بضرورة عدم أخذ الحياة بجدية أكثر من اللازم، فأنت بالتأكيد لا تعرف أن جملة "لا جديد تحت الشمس" جاءت في أحد أسفار العهد القديم. ـ منذ أن طرح عمّنا صلاح عبد الصبور سؤاله الشهير "لا أدري كيف ترعرع في وادينا الطيب كل هذا القدر من السفلة والأوغاد"، وأنا أقرأ إجابات متعددة على السؤال لكني لم أقتنع بأحدها أبداً، ربما لأنني أصبحت أعتقد أننا بحاجة إلى أن نسأل "ومن قال أصلاً أن وادينا طيب؟ ومن قال أساساً أن هناك وادياً في العالم كله يمكن أن يتصف بالطيبة؟". أعتقد أن في هذين السؤالين تفسيراً لقدرة وادينا الذي كنا نظنه طيباً على إنجاب كل هذا القدر من السفلة والأوغاد.
ـ كل الرجال الذين يقومون بتبادل صورة لبائعة طماطم أوكرانية حسناء بحماس شديد ويلحقونها بعبارات من نوعية "جتنا نيلة في حظنا الهباب.. آدي الستات ولا بلاش"، لم يشاهدوا صورة بائع البطاطس الأوكراني الذي يقف إلى جوار بائعة الطماطم الحسناء، وإلا لما تبادلوا الصورة بحماس تجنباً لسماع تعليقات من نسائهم من نوعية "هي دي الرجالة اللي تفتح النفس.. جتنا نيلة في حظنا الهباب.. خلونا ساكتين أحسن".
ـ يستغرب صديقي رأياً أقوله عن شخصية سياسية عامة، ويقول لي بثقة إنني سأغيّر رأيي فيه لو عرفته بشكل شخصي، فأقول له بهدوء شديد إنني أؤمن بحكمة تقول "لا داعي لأن تشم مؤخرة لكي تتأكد أنها مغسولة"، ولكي يقتنع بالمقولة أدّعي أن قائلها هو كونفوشيوس بجلالة قدره.
ـ ما زال الناس يكرهون البومة لأنهم لم ينسوا بعد ما قالته على سفينة نوح حين نظرت إلى أجدادهم بقرف، وقالت لسائر الحيوانات بغضب "كيف يسمح الله لأمثال هؤلاء بالنجاة من الفناء". ـ الأخبار الخطيرة وجهات نظر، بدليل أنك في نفس اليوم الذي تنشر فيه الصحف أخباراً عن وجود قتلى بالمئات في المكان الفلاني أو وقوع كارثة طبيعية في البلد العلاني، أو انهيار الاقتصاد في القارة الترتانية، ستجد من يعتقد أن أخطر خبر نشرته الصحف هو تأكيد دراسة علمية على أن الجنس الفموي يسبب السرطان.
ـ هل يمكن أن تجيز الرقابة الآن أغنية دينية تقول "يا رايحين للنبي الغالي هنيّالكم وعقبال فيزة كندا". ـ التهمة الوحيدة التي تستحق أغلب صحفنا المحاكمة عليها إن "ما فيهاش حاجة تتقري".
ـ من الهبل الذي يدمن الناس ترديده مقولة "كن كالشمعة تحترق لتضيء للآخرين"، كأن الشمعة لو كانت تعرف أنها ستحترق لكانت وافقت على الاحتراق من أجل أم الآخرين، أعتقد أن الأمانة العلمية تقتضي على البعض إذا كان مصمماً على أن يستشهد بالشمعة، أن يقول "كن أهطل كالشمعة، تحترق لتضيء للآخرين من غير ما تكون عارفة أنها أصلاً بتتحرق".
ـ المشكلة أننا أخذنا من المزبلة كل شيء إلا كودها الأخلاقي. في المزبلة لا يعاير الذين يعرفون أنهم زبالة بعضهم البعض بحقيقتهم المنتنة لأنهم يدركون أنهم جميعاً زبالة، ولا يلوم أحد الذين ليسوا زبالة إذا انتشلهم أحد وأعادهم إلى حيث ينتمون. أما لدينا فالإنسان الزبالة ليس متصالحاً مع حقيقة أنه زبالة، ولا يمكن أن يتسامح أبداً مع من يسعى لإخراجه من المزبلة من باب أنه لا يوجد إنسان يستحق أن يعيش في المزبلة حتى لو كان "شخصية زبالة".
لا أعتقد أن هناك زبالة يمكن أن تكره الأمل، لأن الزبالة جماد والجماد معفي من ضرائب الكراهية والحب، لكنك ستجد كثيرين من المنتمين إلى جنس الإنسان الذي يفترض أن الله كرّمه وفضّله على الزبالة، يكرهون الأمل، ويكرهون اليأس أيضاً لأن حدّته يمكن أن تولِّد الأمل ولو خطأً، وعندما لا يصبح لديك اختيار سوى أن تعيش بين هؤلاء لن يكون لديك من وسيلة للتميّز والاختلاف سوى أن تكون أكثر نتانة وأشد عفونة، وأن لا يكون لديك سوى مهارة وحيدة هي مهارة الاستقرار في المكان المحدد لك في المزبلة.
0 التعليقات:
Post a Comment