العلم المستيقن بأمر ما من الأمور المكروهة لا يعني أن معاينته والمرور بتجربة مرتبطة به سيغدوان حدثا روتينيا على النفس. على سبيل المثال، أبناء المريض الميئوس من شفائه يترقبون مصيبة موته في أي لحظة. ومع ذلك، بمجرد أن تصعد الروح إلى بارئها تجد الصدمة قد أفقدت بعضهم وعيه وأخرجت آخرين عن أطوارهم.
حقيقة، ورغم معرفتي التامة ـ كسائر المصريين ـ بالأساليب القذرة التي تدار بها بلادي، فإنني شعرت بقرف شديد وتقلصات حادة في معدتي وأنا أستمع إلى المدعو ممدوح شاهين وهو يتآمر مع النائب العام ومساعده ورؤساء بعض النيابات ووزير الداخلية محمد إبراهيم والفريق أسامة الجندي قائد القوات البحرية ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي ومدير مكتبه، ليطأوا ببياداتهم وأحذيتهم الدستور والقانون اللذيْن أقسموا جميعا على احترامهما.
كانت صدمة شديدة أن ترى المستشار القانوني للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يطلب من وزير الداخلية (ألقاب فخمة لمناصب ضخمة) وبأريحية تامة ودون خجل، وبكلام صريح لا مواربة فيه، أن يزوِّر أوراقا رسمية تمكِّن عصابة الانقلاب من الإيقاع برئيس مصر المنتخب الذي غدروا به ظلما ولفقوا له قضايا هازلة تضحك حتى أشد الثكالى مصابا.
وكانت صدمة أشد أن تجد مكتب وزير الدفاع، الذي كان مديرا للمخابرات الحربية، مكشوفا بهذه الصورة أمام ميكروفونات التجسس، تسجل كل شاردة وواردة، ثم يخرج على المصريين بعدها متبجحا بأنه حامي الحمى ومحارب الإرهاب وحافظ الوطن من أعداء الوطن!
أما المصاب الأعظم والبلاء المبين، ففي بني جلدتي ممن غيبوا عقولهم وأسلموا زمامهم لتلك العصابة، ورفعوها إلى مراتب القداسة والعصمة، رغم فسادها وظلمها على مدى ستين عاما ونيف!
اقرأ واستمع وحدد بدقة لمن ينبغي أن توجه نقمتك ولمن تمنح ولاءك
خلفية لفهم الموضوع
بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، ظل الرئيس محمد مرسي لأسابيع (حوالي خسمة أسابيع) محتجزا قسرا في إحدى المنشآت التابعة للقوات المسلحة دون توجيه اتهام رسمي له، ربما أملا في انتهاء الأزمة، عبر التفاوض معه ومع الإخوان، بإقرارهم بالترتيبات الجديدة ومطالبتهم المعتصمين في رابعة والنهضة بفك الاعتصامين طوعا في مقابل الإفراج عن مرسي ويا دار ما دخلك شر!! وطيلة تلك الفترة عكف الفريق القانوني للانقلاب على ترتيب ـ أو بالأحرى تلفيق ـ عدة قضايا لمرسي لتبرير احتجازه في حال فشل عملية التفاوض، وهو ما حدث بالفعل. لكن واجهتهم مشكلة قانونية هددت بنسف القضايا من أساسها، وهي أن القانون لا يجيز احتجاز شخص ما في غير المنشآت المخصصة لذلك حسب نص القانون، وهي مراكز الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية، بمعنى أن احتجازه في منشأة تابعة لوزارة الدفاع يفسد القضية برمتها مهما كانت التهم الموجهة له. فاستغاث النائب العام باللواء ممدوح شاهين المستشار القانوني للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وطلب منه تزوير أوراق تبعية مكان احتجاز مرسي بحيث يصبح تابعا لوزارة الداخلية بدلا من وزارة الدفاع. فتردد شاهين آنذاك أكثر من مرة على مكتب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وجرت لقاءات هناك بينه وبين الفريق أسامة الجندي قائد القوات البحرية والذي كان مسؤولا عن المنشأة المحتجز بها مرسي، واتفقا خلال تلك اللقاءات على الترتيبات اللازمة لتغيير شكل المكان بحيث يبدو وكأنه تابع للداخلية وليس الجيش (في أحد التسريبات يقول الفريق الجندي مخاطبا ممدوح شاهين واللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي: (إحنا نودي هناك) شوية حاجات كدة أونطة .. عربية كهنة تترمي ورا بتاعة شرطة .. شوية مراتب!! ورد عباس كامل بأن من الضروري أن يكون الأفراد الذين سيتظاهرون بأنهم من رجال الشرطة المكلفين بحراسة المكان "عيال متودكة فاهمة الموضوع ويكون معاهم دفاتر قديمة .. دفاتر قديمة ومعفنة"!!) وبالتوازي مع هذه الترتيبات طلب شاهين صراحة من وزير الداخلية محمد إبراهيم تزوير أوراق تبعية المنشأة لتصبح تابعة للداخلية.
التفريغ النصي لأهم التسريبات، وهو حوار في مكتب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بين اللواء ممدوح شاهين واللواء عباس كامل:
ممدوح شاهين: الموضوع دا خطير للغاية.
عباس كامل: ليه بقى؟!
شاهين: لأن مرسي هيطعنوا في حجزه، ويبقى حبسه باطل، وبالتالي يفرج عنه. والنائب العام بيقولي أرجوكم، اضربوا تاريخ قديم. اعملوا أي حاجة .. وزير الداخلية (يعمل أي حاجة) .. يجيني بكرة بتاع مصلحة السجون ويدوني (يعطونني) اسم المبنى ونقول اسم معرَّف. يعني حاجة كدة (بحيث) يقول (قرار وزير الداخلية المضروب) يُخصص المبنى كذا كذا مايقولشي داخل وحدة عسكرية.
عباس كامل: طيب ما احنا كنا هنعمل كدة وجم قالوا بعد كدة مالهاش لازمة؟
شاهين: لا .. دلوقتي الموضوع مهم جدا. أنا بقولك أهو. الموضوع دا أنا جاي مخصوص عشانه.
(ممدوح شاهين يجري اتصالا بوزير الداخلية محمد إبراهيم فيرد الوزير وبعد السلامات والترحيب يدور هذا الحوار ويُسمع فيه فقط صوت ممدوح شاهين)
شاهين: دلوقتي احنا مزنوقين جدا في موضوع. أنا النائب العام بعتلي النائب العام المساعد واتنين معاه رؤساء نيابة .. اللي هو نيابة شرق مصطفى صلاح الدين خاطر، والتاني بتاع (نيابة) مصر الجديدة إبراهيم بيه صالح. دلوقتي هما مزنوقين لأن القضية هتبوظ .. دفاع مرسي عمال يلاعبهم على موضوع حجزه خلال الفترة الأولانية. تمام سيادتك؟ وقالوا تاريخ قديم تاريخ بتاع، شوفوا لنا أي حاجة وهاتوا لنا قرار السيد وزير الداخلية بأن المبنى اللي كان محجوز فيه طبقا لقانون السجون .. كنا هنعمل الموضوع دا قبل كدة ماعرفش وقف ليه .. فأنا عايز سيادتك إحنا نقول المبنى دة هنقول المبنى كذا كذا كذا مش هنجيب سيرته إنه داخل إحدى الوحدات العسكرية ولا حاجة .. المبنى كذا سيادتك تطلع قرار يعتبر (إن المبنى) من السجون الخاصة بوزارة الداخلية طبقا لقانون السجون يعني. (صوت أذان: الله أكبر) بس عايزين القرار ده قديم .. قديم. إن المبنى ده يعني بمكانه بس منقولش إنه داخل كذا .. لأ .. (نقول) المبنى كذا .. يعني نوصفه كده، اللي هو كان (مرسي) محجوز فيه، عشان بس مافيش حد يطعن ويقول لأ، دا كان موجود مش عارف في برج العرب موجود في أبو قير موجود في مرسى مطروح .. إحنا نطلـَّع (قرار الداخلية المزور) ع المبنى بالضبط. تمام يا فندم؟ لأنه رئيس النيابة اللي اسمه حسن سمير اللي هو رجل أو قاضي التحقيق اللي راح وصَّف هذا الموضوع: دخلت لقيت مش عارف أوضة إيه وبتاع .. ماجابش مكانه بس معروف .. تمام سيادتك؟ فاحنا جاهزين إن احنا نبلغ مكتب سيادتك بالبتاع ده ويطلع قرار .. وممكن يطلع في الوقائع المصرية تابع .. (يخفض صوته!!) يعني زي ما كنا بنعمل زمان أيام المجلس (العسكري). نطلع قرار وفيه تابع. نشوف التاريخ اللي كان اتاخد فيه اللي هو 4-7 .. 5-7.
محمد إبراهيم: ........................
شاهين: تمام يا فندم
تنتهي المكالمة.
وفي تسريب آخر من نفس المكتب بعد تستيف الأوراق المطلوبة واستصدار القرار المضروب من وزير الداخلية، كان هذا الحوار:
ممدوح شاهين: على كل .. أنا مش هاعطل حضرتك. أنا خلصت كل الورق القانوني .. ماشي؟
عباس: إيه الورق القانوني دا؟
شاهين: اللي هو بتاع السجن.
عباس: طب والتاني خد الأوامر وشغال (أوامر تغيير هوية مكان احتجاز مرسي على ما يبدو) .. قال له مهما تتكلف، اصرف
شاهين: أنا دلوقتي شغال في الأمور القانونية .. ورق ما يقدرش حد يطعن فيه
عباس (يؤكد): المكان بقى شغالين فيه .. هيبقى سجن سجن
شاهين: سجن سجن
عباس: يعني أنا بص يافندم .. يعني إن شاء الله يا (إما يوم) الحد يا الاتنين هقول لسيادتك اللواء محمد إبراهيم يبعت الطقم بتاعه هناك. طقم سجن
شاهين: يا خبر؟
عباس: بدفاتره بحاله بماله بكل الكلام دا
شاهين: خلاص مافيش مشكلة
عباس: ويسجل بقى بتسجيل قديم، المسجون محمد مرسي
شاهين: الدفاتر كله شغال دلوقتي فيها .. بص شوف القرار دا .. احنا بنشتغل على مية بيضا
عباس: 2-5 .. هايل
شاهين: أي أوامر .. يعني في التزوير ما تقلقش. وريه لسيادة الوزير بقى (أطلع السيسي عليه).
عباس: حاضر
شاهين: الموضوع دا كان قالقني لأن كان بقى له فترة قديمة وبصراحة اتظبط والنائب العام انبسط جدا جدا .. جدا .. قال لي (إنه) كان في ورطة
عباس: إحنا بقى هنوضبه .. ولو عايز يروح يعاين يروح يعاين
شاهين: خلاص يعني .. احنا عاملين لو احتمال المعاينة
عباس: وهنعمل هناك حتت برضه يبان عليها أما حد يكشف ان دي كانت بتاعة التعذيب وناس بتتعلق من رجلها وكدة .. وأفلام تسجيلية (يضحك)
شاهين: (كلام غير واضح ثم يقول) لكن لو قلت في أي وقت عايزين تلغو القرار نلغيه .. بعد ما القضية يتحكم فيها ممكن نلغي هذا الموضوع. مافيش مشكلة .. تحت أمركم التزوير على ودنه (عباس كامل يضحك) .. هي مشكلة سجن في الآخر؟ سجن عشان ..
عباس (مقاطعا): بعينهم .. بعينهم. مش هيشوفوها ولاد الكلب .. مش هيشمتوا فينا بقى
0 التعليقات:
Post a Comment