على مدى أربع سنوات أعقبت ثورة 25 يناير تستمر الأنظمة المتتالية فى إهدار الفرص التى أهدتها الثورة للمصريين ليدلفوا الى أفاق المستقبل ويتحرروا من إرث التخلف والرجعية وأوهام الخرافة والاستبداد التى كبلت حياتهم خلال عقود متتابعة أخرجت مصر عن ركب التطور الإنسانى لتبقى فى مربع الدول البائسة شعورا ومعنى وواقعا لا يمكن إنكاره.
البدايات ليست بدايات وإنما امتدادات لفلسفات عفا عليها الزمان وقادتنا للبؤس الحالى، الكل يستشعر الخطر المؤيدين والمعارضين ويصرخون أن هناك خطرا يتهدد الطريق، وأننا لم نعد نملك رفاهية الفشل ولا السقوط مرة أخرى، ولكن لا يتغير شىء فى المشهد بل نفاجئ بالمزيد من الصدمات التى تجهض الأمل فى التغيير المنشود.
أفكار شائخة وشخوص يعطى وجودهم شعورا بالأمان المزيف، ولكنهم يقودون البلاد بنفس العقلية التى صنعت المشكلة. وكيف يكونون جزءا من الحل بينما كانوا هم جزءا من المشكلة نفسها التى أفرزت ما نراه، كيف نستعين بمن أوصلونا لهذا الحال ونطلب منهم أن يغيروه؟ وكيف يغيرونه وهم من صنعوه؟
ترقيعات وارتجالات وممارسات تغيب عنها الرؤية، يبدو الوطن كمحل صغير يسير باليومية ويحمد ربه أن اليوم يمر بعد اليوم دون أى مراجعة لما حدث فيه ولا تقييم للأخطاء ولا استشراف للمستقبل ولا تقدير لعواقب الإخفاق المستمر التى ستصادر المستقبل وتحكم عليه بمزيد من الفشل الذى لا يتمناه أحد.
قلة موتورة وضعت يديها على منابر الإعلام وتوجيه الرأى العام وانطلقت تغرد وتعزف ألحانا مقززة اعتمدت النفاق والتطبيل والتبرير والأكاذيب منهجا للحياة، هؤلاء المشوهون نفسيا وفكريا يقررون أولويات الوطن ويرسمون أجندة مهامه، التى انحصرت فى مطاردة المعارضين وتشويه المخالفين ودعم الخروج على القانون وسحق حقوق الانسان وإشغال الناس بقضايا تافهة حتى لا يفكروا فى همومهم الحقيقية التى تتفاقم يوما بعد.
جماعات المصالح تستعيد نفوذها وتبرز بقوة وفجور فى المشهد لتمارس الابتزاز دفاعا عن رغباتها ومكاسبها، الدولة لا تقاوم هؤلاء بل تتركهم ليتحولوا للنهش فيها أيضا وابتزازها حتى يمرروا ما يوافق هواهم ويرضى إرادتهم، حياة سياسية تيبست أوراقها وتساقطت فروعها بعد أن جف بحر السياسة الذى رأت السلطة أنه لا وقت لجريانه الأن، تضع السلطة نفسها فى مواجهة الجميع ولا تستشعر الخطر من مغبة ذلك حين تسوء الأمور، وتجد نفسها بلا ظهير سوى ثلة من المنافقين والموالين الذين سيقفزون من المركب حين تعصف بها زمجرات الرياح وضربات الأمواج.
•••
المصيبة الكبرى أن مصر لا تحتمل أى هزات جديدة، حتى لو كانت موجات ثورية لأن حدوث موجة ثورية جديدة لن يكون مأمون العواقب هذه المرة لأن من خرجوا فى 25 يناير 2011 لن يكونوا هم الذين سيخرجون فى أى موجات قادمة، فهؤلاء الذين سمتهم وسائل الإعلام حينها بالشباب الطاهر خرجوا على إثر مطالب سياسية وحقوقية وفى خلفيتها مطالب تخص العدل الاجتماعى، أما من سيشاركون فى أى حدث قادم فسيكونون ضحايا لظلم اجتماعى وتهميش اقتصادى ويأس وكفر بكل شىء، وهؤلاء لا يمكن ضمان استيعابهم بأى طريقة معتادة.
نحن فى وطن لا يحتمل ثورة جديدة ولا يحتمل استمرار لهذه الأوضاع التى تمهد للفوضى وسقوط الدولة، الذى لا يجب أن يحدث بأى حال من الأحوال، فما المخرج من هذه المتاهة وكيف ننقذ ما يمكن إنقاذه؟
•••
لا بديل عن إعادة السياسة لمصر بعد تأميم العمل السياسى وتجميده على مدى عام ونصف العام، ومن السذاجة أن نعتقد أن إجراء انتخابات برلمانية وفق البيئة القانونية والحقوقية والإعلامية الحالية يعنى إعادة تسيير بحر السياسة بل هو مضاعفة للمشكلة القائمة وخلق بؤرة توتر جديدة، إعادة السياسية يعنى رفع القيود عنها والتوقف عن أجواء الارهاب السياسى والقمع الفكرى للمعارضين ورفع اليد عن المجتمع المدنى الذى صارت أعرق مؤسساته تغلق أبوابها وتجمد نشاطها فى مصر بعد مخطط الشيطنة والمطاردة والحصار الذى رفع شعار إلغاء العمل المدنى فى مصر.
إعادة النظر فى فلسفة إدارة البلاد فقد صار واضحا لكل زى عين أننا نسير بلا رؤية، وأن الاجتهادات الشخصية والأفكار التى لا تنتظم ضمن منظومة تخطيط وقياس أثر ودراسة جدوى قد تتحول لقنابل عكسية الأثر، ومن العار أن تُدار دولة كبرى بحجم مصر بهذه الفلسفة التى يعنى استمرارها مزيدا من السقوط والتراجع.
البدء الفورى فى الاصلاح المؤسسى دون استثناء لأى مؤسسة، فالتركة الشائخة تتآكل مفاصلها وتبدو قريبة من الانهيار المفاجئ، الذى يعقب اكتمال التآكل، وما حدث خلال السنوات الماضية يقول لنا أن مؤسسات الدولة فى خطر وأن النخر الداخلى فى أشد حالاته وأن المؤسسات التى اقترب منها النخر لا يمكن أن نتركها خاصة المؤسسات التى يفترض انها تنظم حياة الناس وتفصل بينهم.
إغلاق صفحة الماضى عبر منظومة حقيقية للعدالة الانتقالية تقر مبدأ الاعتراف بالخطأ وقبول الاعتذار مقابل العفو وتجاوز ما مضى مع معالجة آثاره وخلق جو نفسى جديد ينهى الانقسام الشعبى متعدد الأقطاب والذى جعل مصر تبدو كبلد لعدة شعوب متناحرة. ولا يكتمل كل ما مضى دون تمكين الشباب ووقف الحرب المستمرة عليهم، المستقبل ينادينا، ونحن نتشبث بالماضى وسندفع ثمن التأخر فى تلبية النداء.
0 التعليقات:
Post a Comment