كارهو الحياة ومستبيحو الدماء والخائفون من الحرية الذين هاجموا مقر مجلة «شارلى إبدو» فى باريس وقتلوا صحفييها لا يستحقون أبدا أن تتراجع البشرية المعاصرة عن طلب حرية الإبداع والفكر والتعبير عن الرأى وصونها بأدوات سيادة القانون وبناء التوافق المجتمعى المستند إلى الاعتراف بالتنوع وحماية الاختلاف وقبول الآخر والتسامح فى إطار من السلمية ونبذ العنف.

هؤلاء، وهم يواصلون إجرامهم الإرهابى وعنفهم فى بلادنا وفى بلاد أخرى وينشرون وحشيتهم ودمويتهم وتطرفهم مجددا فى الغرب، لا يستحقون أبدا أن تعطل المجتمعات الديمقراطية من أجل مواجهتهم والتخلص من شرورهم ضمانات الحقوق والحريات، ولا أن تعيد إنتاج التجربة الأمريكية (وبدرجة أقل الأوروبية) فى تجاهل مقتضيات سيادة القانون والتورط فى انتهاكات تذهب بالمصداقية الأخلاقية لحديث التحضر والحرية والقيم الديمقراطية، ولا أن تستحيل إلى نموذج عالمى «حربنا على الإرهاب» بطغيان مكونها الأمنى على كل ما عداه وتهميشها لسيادة القانون ونشرها لهيستيريا العقاب الجماعى وتوظيفها للرأى الواحد والصوت الواحد لتمرير الخروج على الديمقراطية وتبرير سلطوية جديدة.

كارهو الحياة ومستبيحو الدماء والخائفون من الحرية الذين يستخدمون الدين ورموزه وتعاليمه زيفا وبهتانا لتبرير إجرامهم وإضفاء شرعية باطلة على وحشيتهم ودمويتهم وتطرفهم وجهلهم ليس للدين (أى دين) إلا أن يتبرأ منها وليس لقيم الإنسانية إلا إدانتها، هؤلاء لا يستحقون أبدا أن تنزلق أغلبيات فى المجتمعات الغربية إلى مواقع التطرف والجهل المضاد عبر مناصرة أفكار عنصرية ومعادية للإسلام ولذوى الأصول العربية والإسلامية ولا إلى خانات الكراهية المعكوسة للحياة وللحرية التى تروج لها حركات وشبكات عنصرية من يمين فرنسا المتطرف إلى بجيدا الألمانية (وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب).

دعوا العنصرية لأقليات صغيرة العدد تمتنع عن الاعتراف بالتنوع الدينى والعرقى ﻷوروبا، وتعادى الآخر بمقولات متهافتة تعمم الاتهام الظالم للعرب والمسلمين برفض الحرية ورفض قيمة التسامح. دعوا العنصرية لحركات وشبكات صغيرة، قطعا وبحسابات المدى الزمنى القصير ستجتذب المزيد من الأوروبيين بعد مذبحة «شارلى ابدو» إلا أنها حتما إلى تراجع بفعل رشادة وعقلانية المجتمعات الأوروبية. دعوا العنصرية لسياسيين وشخصيات عامة لا تقدر إلا على عزف ردىء الألحان الشعبوية بهدف مكاسب انتخابية آنية، وهم دوما لا تدوم لهم الانتصارات وسرعان ما ينصرف عنهم الناس.

كارهو الحياة ومستبيحو الدماء والخائفون من الحرية هؤلاء، الذين يتعين عالميا على النخب الفكرية والثقافية والأكاديمية والدينية المستقلة والمستنيرة (المستقلة أسجل وليس المستتبعة من قبل الحكام، والمستنيرة أكتب وليس المروجة لمضادات احترام الحرية وممارسة التسامح)، مواجهتهم بالكلمة والفكرة والحجة وبتقديم نماذج راقية لقبول الآخر والدفاع عن التنوع والاختلاف، لا يستحقون أبدا أن تخلط المجتمعات الديمقراطية بين ضرورة التوحد فى مواجهة الإرهاب والعنف وبين فرض الرأى الواحد والصوت الواحد وإسكات المحاولات الموضوعية لتفسير الأسباب الاقتصادية والاجتماعية للقابلية للتطرف داخل بعض قطاعات السكان ذات الأصول العربية والإسلامية والمتجنسة أوروبيا أو المقيمة هناك بحجة أن «لا وقت الآن إلا للمواجهة الأمنية ولتأييد الحرب على الإرهاب دون معارضة أو نقد»، ولا يستحقون أبدا أن تخرج فى المجال العام بالمجتمعات الديمقراطية مثل الأصوات التى تخرج علينا نحن يوميا لتطالب بحشد التأييد الأحادى للحكم/ السلطة وتتعامل بمعايير مزدوجة مع انتهاكات الحقوق والحريات وتصمت عن الإجراءات الحكومية التى تؤسس لسلطوية صريحة وتختزل حرية الإبداع والفكر والتعبير عن الرأى فى مناصرة المواقف الرسمية بإدعاء غياب البدائل وتسفه من المدافعين عن الديمقراطية تارة بوصمهم باللاعقلانية والعجز وتارة باتهامهم المتهافت بنشر الفوضى والعمل على هدم الدولة الوطنية ومؤسساتها وأجهزتها بينما هم يبحثون عن حمايتها ومنعتها بالعدل ورفع المظالم والقانون والحقوق والحريات والتأسيس لثقافة مجتمعية حقيقية تضمن التعددية وقبول الآخر والتسامح.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.







0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -