حاملا جثمانه الثقيل، حاول بدأب تثبيته جسده حتى لا يسقط، ووضعه في سيارته بحرص بالغ، وقلبه لا يكاد يتوقف عن النبض المتلاحق، مسح عرقه المتصبب على جبينه وهو يتأكد أن جسده الكبير لن يسقط مجددا، ركب سيارته آملا أن يمر به من جميع الكمائن دون توقيف، وأن يصل به إلى أهله سالما.. إنه لا يحمل جثة صديقه قتيل استاد الدفاع الجوي.. وإنما أكبر دبدوب في عيد الفالانتين آملا أن يصل به إلى حبيبته.
باللون الأحمر ذاته، اكتست صفحات الفيس بوك والمواقع والأخبار للمرة الثالثة خلال أسبوع واحد، فبعد مجزرة الوايت نايتس بإستاد الدفاع الجوي وأنباء إعدام 21 مصريا في ليبيا، عاد اللون الأحمر ذاته من جديد ليتصدر الواجهة، ولكنه هذه المرة على "الدباديب" والورود في عيد الحب، أو "الفالانتين داي".
وينظر خبراء اجتماعيون إلى تلك الظاهرة بعين الريبة باعتبارها تنذر بتحول في سلوكيات الشعب المصري، فبعد أن كان المصريون يلغون أفراح أبنائهم إذا ما حدثت وفاة في قريتهم، أو يقيمونها سرا بلا زغاريد أو أغانٍ صاخبة، فإن المصريين اليوم لم يتورعوا عن إظهار بهجتهم بمناسبة ليست متجذرة بالأساس في عادات وتقاليد الشعب.
وبعد أيام قليلة من مقتل 22 مشجعا لنادي الزمالك على أعتاب استاد "30 يونيو"، بدت المواقع ووسائل الإعلام المصرية كمن يرصد تحركات شعب آخر وإعلاميين آخرين غير الذين كانوا يصرخون جزعا على قتلى مشجعي الزمالك أو المصريين المختطفين في ليبيا بعد تردد أنباء مقتلهم.
وتداول عدد من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك صورا لأحد الشباب يحمل على سيارته "دبدوب" ضخم الجثة معلقين على ذلك بقولهم إنه أكبر دبدوب في عيد الحب، كما رصدت إقبال أعداد من الشباب على محلات الورود والدباديب.
وبعد أن كانت المواقع الإخبارية ترصد إجراءات استخراج الأهالي جثث ذويهم من مشرحة زينهم والخطوات المتخذة من الجيش والخارجية لتحديد أماكن المصريين المختطفين في ليبيا، حدد العديد من المواقع أخبارها لزوارها أماكن شراء هدايا "عيد الحب"، كما أرشدتهم إلى أطرف هدايا العام الجديد، وما يجب عليهم تجنبه.
"تعرف على أماكن وأسعار هدايا عيد الحب في 2015"، "حصرياً أماكن وأسعار هدايا عيد الحب في عام 2015"، "ما لا تحبه المرأة من هدايا عيد الحب.. احترس من تقديمه لحبيبتك"، "أحدث وأرق رسائل عيد الحب في 2015".. كلها عناوين حفلت بها المواقع الإلكترونية، لتحل محل عناوين سابقة مثل: "تجمع أعضاء وايت نايتس أمام مشرحة زينهم للبحث عن زملائهم المفقودين"، " وايت نايتس ترفض قبول العزاء"، "زينهم.. رائحة الدم والموت"، " وصول 19 جثة من ضحايا مجزرة الدفاع الجوي لمشرحة زينهم".
الشوارع لم تكن غائبة عن المشهد، إذ اكتسى عدد من الميادين والشوارع في مناطق شعبية وراقية على حد سواء باللون الأحمر، بعد أن علق عدد من المحال التجارية البلالين الحمراء، وأقاموا بوابات في الشوارع بالبلالين الحمراء، وعرضت الدباديب والورود الحمراء بمختلف أشكالها ودرجات ألوانها.
كما ضبطت قوات الأمن شابا حاول التسلل إلى جامعة المنصورة ليهنئ حبيبته الطالبة بعيد الحب، فيما لا يزال كثير من الشباب يبكون أصدقاءهم الذين فقدوهم إما في استاد الدفاع الجوي أو في ليبيا، كما أصدرت رابطة مشجعي الزمالك "وايت نايتس"، بيانا تتعهد فيه بعدم نسيان ضحاياها والثأر لهم من قاتليهم.
الطريف في الأمر، أن مظاهرات معادية لعيد الحب رفع الرايات الصفراء وهاجمته بضراوة مطالبة بمقاطعته باعتباره "مؤامرة سخيفة لجني الأموال من قبل الرأسماليين المستبدين"، غير أن هذه المظاهرات نظمتها مجموعة تعرف باسم مختصر "كاكوهيدو" في حي "شيبويا" بالعاصمة اليابانية طوكيو.
0 التعليقات:
Post a Comment