في مشهد آخر ، في بلاد غارقة في الظلم ، القتل يصبح مصدر فخر واعتزاز ، و القاتل يحترف القتل ، ومع كل ضحية يتحول قلبه إلى صخرة قاسية ، وتصبح ضغطته على الذناد أسرع وأسرع ، و يتحول مشهد الدماء إلى مشهد اعتيادي ، وتزداد أعداد الضحايا و لا أحد يحاكم و تدريجياً دون أن يلاحظ الكثيرون سندفع جميعاً ناحية اللادولة ، ليسود قانون الغاب بعد أن تم ترويض قانون الدولة ليصبح درع يحمي المجرمين من أجهزة الأمن !!
السيد رئيس الجمهورية كعادته أصدر بيان عاطفي يعزي شعب مصر فيما أصابهم ، و يطالب بكشف ملابسات القضية ، و يوجه السلطات بأتخاذ اللازم ، أشعر من كثرة الصيغة التي يتحدثون بها ، أنهم يعيدون مشاهد مسجلة لا جديد فيها حتى ولو كان البث مباشر ، لا أعلم إن كان سيادته يدرك أن هناك أكثر من عشرين أسرة تدمرت ، أكثر من عشرين روح اختفت و كأنها لم تعش يوما ، لا أعلم إن كان يدرك طبيعة منصبه أما أنه مازال في مرحلة الاستكشاف !!
تسمع بين الناس أحاديث من نوعية "لابد من دعم الشرطة في حربها ضد الإرهاب " "لابد من التغاضي عن تجاوزاتها لأنها تعيش تحت ضغط كبير" و كلام كله هراء عن التماس عذر لجرائم حدثت و تحدث ، لكن الحقيقية التي يهمهم بها كثيرون فيما بينهم و يخافون أن يعلنوها هي أن لا انتصار في حرب يقودها طرف يستعدي شعبه ، لا انتصار مادام هناك دم يسفك ولا يدان القاتل !!
الجميع يتحدث عن إرهاب حملة السلاح غير الشرعيين و لا أحد يتجرأ أن يتحدث عن إرهاب حملة السلاح باسم الدولة ، نعم ما يحدث من تجاوزات إرهاب ، مايحدث من قتل عمد باسم الأخطاء الفردية إرهاب ، لا أجد مسمى لأن تطلق غاز مسيل للدموع علي شباب بعدد كبير لتدفعهم للذعر و الهرولة داخل نفق عرضه لا يزيد عن أربعة أمتار غير إرهاب وقتل متعمدين، إن كان أحد لديه تفسير آخر فليفحمنا به ولكن لا تتبع طريق من يعتقدون منهج نظريات المؤامرة !!
أثناء الجريمة وقبل حصر أعداد الضحايا، وقبل معرفة حجم المأساة، بدأت الشاشات تبحث عن مبررات ليسكبوا المياه علي النيران المشتعلة ، الحديث عن مؤامرات وعن اتهامات للضحايا بالإرهاب ، الجميع يتحدثون في كل شئ عدا أن يوجهون أصابع الاتهام للقاتل الحقيقي ، هم يخافون على شاشاتهم أو قد يكونوا اعتادوا التبرير حتى تحول إلى أسلوب حاضر في آذهانهم يستدعونه بمجرد حدوث الكارثة !!
أصدقائي مناصري النظام السياسي ،ظالما أو مظلوم، من أجل الحفاظ على بقاء الدولة ، يخافون أن ينطقوا باسم الفاعل الحقيقي ، لأنهم يخافون أن تنهار الدولة ، ولكن أي دولة هذه التي تتغذي على دماء شبابها ؟!!
الدولة هي الناس ، هي الشباب ، هي الأجيال التي يجب أن تعيش لتجدد قوة الأوطان ،الدولة هي الأفراد و غير صحيح أن الصمت على جرائم الأنظمة يصنع قوة للدولة بل يحول شعبها إلى مسوخ متوارية تنتظر لحظة الانقضاض لتدمر كل ما في طريقها !!
قتلة اليوم هم قتلة الأمس ، هم من قامت ضد جرائمهم ثورة ، قد يعتبرها كثيرون مؤامرة ، ولكن المؤامرة الحقيقية التي قد تهدم الدولة هي أن يصوب جهاز الأمن سلاحه تجاه العزل من المدنيين ، أن يرفع أعداد ضحاياه و لا يحاسب على جرائمه التي ارتكبها بشهادة قطاع كبير من الشعب !!
ماحدث أمام ستاد الدفاع الجوي ، جريمة يتحملها النظام الحاكم و جهاز شرطته ، يتحملها كاملة و يجب محاكمته عليها ، قد ما حدث يجعلنا ندرك حقيقية من يحكمونا ، فاذا كان هذا الفشل في تنظيم مباراة اعتيادية ، فكيف يمكن أن نأتمنهم علي أرواحنا التي وضح جلياً أنها لا تساوي لديهم الكثير !!
أعلم جيداً عزيزي المواطن أنك في مهمة يومية هي أن تحافظ علي نفسك حياً ، فالموت يحيطنا من جميع الجهات ، وتبرير قتلك جاهز في الاذهان ، وبدل أن تموت مرة ، ستموت ألف ، وتتحول وأنت في قبرك من ضحية إلى مجرم يجب قتله ، فدولتنا لا تجد حرجاً في مقتل الشعب كله من أجل أن يعيش النظام ، و لكن وقتها لن يصبح هناك دولة ليكون هناك نظام ، وأعلم أيضاً أنك مع كل محاولة لتبرير سفك دم ، أو صمت على جريمة ، فأنك لا تنقذ الوطن بل تدفعه دفعاً إلى الهاوية ، فلا دولة بلا عدل ، ولا أمن بلا حرية ، فلا مساومة علي الحقوق يا سادة !!
بين سجين وقتيل تحول جيل الشباب ، ومن نجا من المفرمة أصبح يحلم بأقرب فرصة للهروب ، و الوطن أصبح يتصارع لاسقاطة قتلة باسم القانون ، وقتلة باسم شرعية باطلة ، و بين هذا وذاك تزداد سراديق العزاء !!
0 التعليقات:
Post a Comment