كلمات كثيرة كانت تحمل معانٍ راقية ومضمون نبيل لكن تم ابتذالها أشد الابتذال ليصبح وقعها علينا سلبيا أكثر منه إيجابيا ، من أكثر الكلمات التى تم ابتذالها مؤخراً كلمة (الاصطفاف) حيث باتت هذه الكلمة عنوان المرحلة الحالية وأداة للمزايدة والتخوين والسبب فى ذلك أن معنى الاصطفاف يختلف من دعاة الحرية وأنصار الديموقراطية الى أنصار الاستبداد ورافعى شعارات الوطنية الزائفة التى تدعو لقتل المختلفين وتمجيد القتلة ، أبواق السلطة تردد ليلا ونهارا كلمة الاصطفاف ، وأقلام فاشية تدبج مقالات نارية تدعو فيها للاستبداد والإبادة الجماعية وحرق المخالفين وترى أن ذلك هو الاصطفاف المنشود الذى يعد علامة الوطنية ودليلها الدامغ ، عدد من المحسوبين زورا على المثقفين يكتبون مقالات يدعون فيها لإعلان الجهاد ضد الفلسطينيين الذين يصفونهم بأنهم شعب حاقد لأنه بلا وطن لذلك لا بد من حربه لأنه سبب كل مآسينا وخيبتنا الثقيلة !
ويكتب مختل أخر عقب تفجيرات العريش لا ليتساءل عمن يجب أن يتحملوا المسئولية وتتم مساءلتهم بل يحمل المسئولية للشباب المعتقلين ويقول بكل صفاقة ( يجب أن نتخلص من هؤلاء الصبية الذين يكمنون فى بعض الصحف والفضائيات ويبثون سمومهم عبر مقالات يقرأها كثير من الناس ويتحدثون فيها عن حقوق الانسان والديموقراطية وتلك الموجة التآمرية التى ترعاها أمريكا لتدمير مصر )
أما أحد المذيعين المنتمين لمدرسة الاعلامى المخبر والبوق الذى يتم تلقينه ، فخرج بصوته المزعج ليدعو الناس لحرق بيوت الاخوان ومن يتعاطف معهم وكذلك كل محل تجارى يملكه أحدهم أو أى متعاطف معهم وفى نهاية كل هذا التبول السياسى والاعلامى يرددون كلمة الاصطفاف ، فأى اصطفاف يريد هؤلاء القتلة والمجرمون ؟
تعالت أصوات هذه الأبواق المثيرة للاشمئزاز لتندد بما فعله مجرمى داعش من حرق الطيار الأردنى حيا فى نفس الوقت الذى كان هؤلاء المشوهون يتقافزون من الفرحة بعد أن تم حرق 37 مصرى فى سيارة ترحيلات أبو زعبل وهم أيضا أحياء ! فأين ضمائر هؤلاء وهل يمكن أن نصدقهم ونصطف معهم ؟ لماذا لم يعتبروا شريف صيام الذى لقى ربه شهيدا فى محرقة سيارة الترحيلات ضحية يجب التعاطف معها ؟ ولماذا صمتوا حين أفلت قتلة شريف ورفاقه من المساءلة ؟
نحن بلا شك نعادى الارهابيين القتلة ولا نتعاطف معهم وبكت عيوننا وقلوبنا على كل نقطة دم سالت من دماء جنودنا الأبرياء وشعرنا بالمهانة الشديدة كمصريين لتكرر هذه الجرائم واستفحالها ولكننا لن نستطيع أبدا أن نستسيغ خطاب الاصطفاف الذى يبشر هؤلاء الإعلاميون القتلة.
إنهم يريدون اصطفافا لدعم الاستبداد وقتل الانسان وتمزيق الوطن بنار الكراهية ونحن نريد اصطفافا يقوم على العدل واحترام حقوق الانسان ورفع الظلم عن المظلومين وإعلاء الكرامة الانسانية واحترام عقول الناس ، إنهم يريدون اصطفافا حول الخرافة والدجل والاجهزة التى تعالج كل أمراض الدنيا بالاوهام والتطبيل بينما نحن نريد اصطفافا نجو العلم والمنهجية ينتشل هذا الوطن من هاوية الجهل والتخلف ، إنهم يريدون اصطفافا يخفون به سوءة الفشل ويتفلتون فيه من تحمل المسئولية بعد ما جنوه على الوطن من خطايا وما صنعوه من بؤس ودمار ونحن نريد اصطفافا يقوم على المصارحة والاعتراف بالأخطاء وتحمل المسئولية وتقويم الذات للتعلم من الأخطاء ، إنهم يريدون اصطفافا يشعلون به نار حرب أهلية يتقاتل فيها الناس ويمارسون القتل على الهوية السياسية بينما نحن نريد اصطفافا يجمع شتات النفوس ويمحو مرارة الظلم ويطفىء نار الثأر ويمهد لعصر جديد يستعيد فيه الوطن وحدته بعد أن مزقوه شر ممزق وأشعلوا نار الكراهية والشقاق بين أبناءه.
إنهم يريدون اصطفافا نصفق فيه لمن فشل ونختلق له تبريرات لا تليق الا بالعبد الذى يركله سيده فيقول لنفسه لم يقصد لقد كان الظلام عائقا للرؤية رغم أنهم فى وضح النهار ! إنهم يريدون اصطفافا يزعمون فيه أنهم يحمون الوطن بينما كل هذه الأفعال التى مضت واستمرت لا تحمل أى خير للوطن ، نريد اصطفافا لا نبخل فيه على الوطن بأرواحنا إذا لزم الأمر ولكننا نكون على بينة من أننا على الطريق الصحيح ، نفدى أبناءنا وجنودنا بنفوسنا ونتصدى للإرهابيين القتلة الذين يرفعون راية الدين ويقتلون باسمها بينما الدين منهم برىء ولكننا نحدد من هو الارهابى الذى يستحق القتل ومن هو البرىء الذى لا نأخذه بالظن
إن اصطفافنا يختلف بالتأكيد عن الاصطفاف الذى تدعو إليه هذه الأبواق الإعلامية المأجورة والتى يعمل أغلبها لجساب الأسياد طمعا أو رهبا ، سنظل نصطف فى وجه كل ظالم مستبد ونقول له إن ظلمك لن ينفعك وأن عاقبتك آتية لا ريب فيها ، سنظل نصطف ضد كل تجار الدين الذين يخدعون الناس باسم الدين ونقول للناس هذه أوهام يبرىء منها ديننا ، سنظل نصطف ضد الجهل ومخططات تغييب العقول وزرع الهزيمة والانكسار المعنوى فى قلوب الشعب ، سنظل نصطف ضد من يفرض الوصاية على الناس ويقول لهم أنا ربكم الأعلى وما أريكم إلا ما أرى ، سنظل نبشر بالحرية ونقول للناس لقد ولدتم احرارا فلا ترتضوا العبودية تحت أى مسمى ، سنصطف ضد كل إرهابى خسيس يقتل الأبرياء بدم بارد وسنبقى نمضى بلا كلل لبناء دولة القانون التى لا تعرف العقاب الجماعى ولا العدالة الانتقائية التى تبرىء المجرم وتدين البرىء ولا أمل لهذا الوطن دون بناء دولة القانون
هذا اصطفافنا الذى لن يعجب هؤلاء ولكنه اصطفاف يريده منه شهداؤنا الذين رحلوا سواء كانوا عسكريين أو مدنيين ، رحمة الله على من ماتوا من أجلنا ، ومن أجلهم فلنصطف نحو المستقبل الذى حلموا به وعلينا الوفاء لهم ..
==============
مصطفى النجار - موقع مصر العربية
7 فبراير 2015
0 التعليقات:
Post a Comment