بادئ ذي بدء أؤكد تقديري العميق لجمعيات حقوق الحيوان في مصر وعلى رأسها جمعية (اسما) التي تعمل في ظروف بالغة السوء وبإمكانيات شبه منعدمة من أجل توفير الحماية والحد الأدنى من الرعاية الحقوقية للحيوان وأؤكد أن هذا المقال لا يخاطب نشطاء حقوق الحيوان ولا يسخر منهم، فهم بشر يتمتعون بدرجة عالية من الإنسانية جعلتهم يعنون بحماية الحيوان والدفاع عن حقوقه التي أهدرها الإنسان وفخر لنا أن يعيش بيننا هؤلاء الذين لم يفقدوا إنسانيتهم.
الحديث هنا لهؤلاء المرضى بالازدواجية والحول الإنساني، الحديث هنا لمن يرقصون على أشلاء البشر ويعتبرون قتلهم وطنية، في نفس الوقت الذين يذرفون فيه الدموع الساخنة لقتل كلب أو إيذاء قطة فترى حينها رقة قلوبهم الحانية، الحديث هنا لمن أعمت الكراهية عيونهم وغرست القسوة في قلوبهم فتراهم يدافعون عن القاتل قبل أن يحاولوا حتى التأكد من براءته.
رأينا فيديو قتل الكلب بشارع الأهرام بمنطقة شبرا الخيمة وتعجبنا من الوحشية واللاإنسانية في تعذيب حيوان ثم قتله والاستمتاع بذلك ورغم كل التبريرات التي ساقها من فعلوا ذلك فإن أي إنسان لم تتلوث فطرته سينتفض متألما من هول ما رأى مثلما سينتفض وهو يقرأ خبر جريدة الوطن المنشور بتاريخ 26 فبراير 2015 وجاء فيه:
قال مصدر طبي – طلب عدم ذكر اسمه- في تصريحات خاصة لـ«الوطن»، إن المجني عليه المحامي كريم حمدي محمد (27 عامًا) الذي توفي داخل قسم شرطة المطرية أمس الأول تبين من خلال خضوع جثمانه للكشف الطبي إصابته بكسر في 7 ضلوع، بالإضافة إلى وجود إصابات رضية في أنحاء متفرقة من الجسد في البطن والصدر والظهر، وتبين أنها ناتجة عن الضرب بركلات، كما رصد الكشف على المجني عليه وجود نزيف دموي في الصدر والرأس والبطن، بالإضافة إلى وجود تورم في العضو الذكري.
وكشف التقرير أن المجني عليه لم يتم الاعتداء عليه بواسطة أي أجسام صلبة، وأكد التقرير أن وفاة المجني عليه جنائية
وسيبكي وهو يطالع صورة المحامي وطفلتيه اللتين صارتا بلا أب وهما في عمر الزهور بينما يقرأ في موقع مصراوي خبرا بعنوان (الطب الشرعي: محامي المطرية تعرض لضرب مبرح وكسر 10 ضلوع وقطع لسان)
أما الفاجعة الكبرى التي ستصيبه بعد ذلك حين يقرأ ما قالته الداخلية وبدا كأنه تبرير لقتله ونشرته جريدة اليوم السابع بعنوان (الداخلية: محامي المطرية المتوفى في القسم ضبط في خلية إرهابية وبحوزته أسلحة نارية وأعلام داعش)
سيفقد المرء القدرة على الكلام وهو يرى آلهة الوطنية وحزب التطبيل وهم يدافعون بشراسة عن القاتل ويدينون المقتول في نفس الوقت الذي يتباكون فيه على الكلب المقتول، هؤلاء قوم دم الإنسان عندهم أرخص من الكلب طالما أنه لا يتبع أفكارهم ولا يطبل لسادتهم مثلما يطبلون، كلما نظرت للمفارقة العجيبة انقبض قلبك وأنت تعيش في وطن يعيش فيه أمثال هؤلاء الذين تجردوا من كل مشاعر الإنسانية وصاروا مثل الكائنات البرية المتوحشة التي ربما تكون أكثر رحمة منهم.
سيرددون نفس النغمة السمجة والتافهة ويقولون: لماذا لا تبكون شهداء الشرطة والجيش مثلما تبكون الآخرين وسنقول لهم إن الدم عندنا كله حرام وقلوبنا تحترق على أبنائنا وإخواننا من الجنود والضباط الذين يرتقون للسماء في معارك نبيلة وحقيقية لحماية الوطن ولا يختلف تعاطفنا مع أي شهيد مات غدرا سواء كان مدنيا أو شرطيا أو عسكريا، وهذا موقفنا الدائم الذي تتناسونه دوما عن عمد لتزايدوا على من يدافعون عن حق الإنسان في الحياة.
سيقولون إن حديثكم عن ضباط شرطة تورطوا في قتل مواطنين يسيء للشرطة ويهدم الدولة وهي تحارب الإرهاب والسؤال: هل قتل الأبرياء ليس إرهابا؟ ومن الذي يسيء للشرطة.. من يتضامن مع الضحايا أم من يقتلهم؟ هل تم عقاب من حرقوا 37 مواطنا مصريا في سيارة ترحيلات أبوزعبل؟ هل عرفنا من قتل شيماء الصباغ؟ هل عرفنا من قتل محمد رضا طالب كلية الهندسة؟ هل عرفنا من تسبب في قتل 22 من شباب الألتراس في مباراة الزمالك؟ هل حاسبنا كل من تورطوا في المذابح المتتالية؟ هل قامت الشرطة بإيقاف ومساءلة من تورطوا في جرائم التعذيب التي تتواتر حكاياتها يوما بعد يوم في الأقسام ومقار الاحتجاز غير القانونية؟ لماذا تقلبون المنطق وتنتظرون منا أن نقول لكم سمعا وطاعة وآمين؟ لماذا تعتقدون أن الجريمة التي تحدث وتمر وينساها الناس- بعد أن ينشغلوا بجريمة أخرى أشد جرما ودموية- سوف تتلاشى تداعياتها بينما الحقيقة أن كل دم يُسفك يغرس في الأرض نبتة كراهية.
هل تعتقدون أن رفع شعار الحرب على الإرهاب يعطي الحق لأحد في استباحة الدماء وتعذيب الناس حتى الموت، وإذا رفض الناس ذلك قلنا لهم هذه ضريبة حرب الإرهاب ودعونا نستكمل الحرب! إن المنطق يقول إن هذه الفلسفة تصنع مزيدا من الإرهاب وتخرج للمجتمع كافرين بالقانون ويائسين من العدالة يقررون أن يتحولوا لقتلة ليحققوا العدالة – كما يرونها – بأيديهم وحينها تنتشر شريعة الغاب وتسقط دولة القانون! فهل هذا ما تريدونه؟
ألم تكن دروس الماضي القريب كافية لنتوقف عن التفكير بنفس الطريقة؟ ألم تصبح حجج التلفيق وتبرير القتل لإفلات القتل مكررة يحفظها الناس ويتوقعونها قبل أن تنطقوا بها؟ أما المزايدون الذين يرفعون صنم الحفاظ على الدولة – دون أن يفهموا معناه – ألا ترون بعقولكم الفذة ووطنيتكم المختلة أن هذا يهدم الدولة ويزرع الكراهية ويمهد لموجات من الإرهاب الجديد؟ فهل هذا ما تريدونه؟
ضاق بنا الوطن وأنتم تعيشون بيننا بازدواجيتكم وشرهكم في سفك الدماء، ضاق بنا الوطن والقتلة يفلتون والمنافقون يطبلون والضحايا يسقطون، ضاق بنا الوطن ونحن لا نرى العدالة تبرد نار قلوب أمهات الشهداء وتمسح دموع اليتامى والثكالى، ضاق بنا الوطن ولم نعد شعبا واحدا ولا يمكن أن يكتب التاريخ أن المصريين اجتمعوا في زمن ما على الظلم والقتل وسفك الدماء والتبرير للقتلة، لن ننزع عنكم الوطنية كما تفعلون مع مخالفيكم فلسنا من نوزع صكوك الوطنية ونحتكرها، ولكنّ هناك ربًّا خالقًا للكون ومدبرا له عسى أن يريكم ما أحببتموه لغيركم وتكرهونه لأنفسكم.
إذا كنا نريد حقا الحفاظ على الدولة فلنوقف القتل وسفك الدماء ولنقتص من القتلة أيا كانوا، اللهم إنا نبرأ إليك من كل دم سال بلا جرم، ومن كل حق ضاع بنفاق وتبرير وموالاة، اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل.
0 التعليقات:
Post a Comment