تحتفظ الإدارة التركية بخطاب هادئ تجاه دول الخليج العربي، خاصة الإمارات والسعودية، وعقب إعلان وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، أعلنت رئاسة الجمهورية التركية أن الرئيس رجب طيب أردوغان قطع جولته الأفريقية وتوجه للسعودية لتعزية الملك الجديد ولحضور جنازة الملك الراحل، الأمر الذي أثار أحاديثا كثيرة حول إمكانية فتح صفحة جديدة من العلاقات التركية السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، أكثر حيوية مما كانت عليه في عهد الملك عبد الله ورئيس ديوانه خالد التويجري.

فالإدارة التركية اعتمدت خلال الفترة الماضية سياسة الانفتاح على الجنوب متجاهلة اختلاف الرؤى فيما يتعلق بالملف المصري والسوري والشرق الأوسط. في ظل التغيرات التي جرت بعد رحيل الملك عبد الله وتولي سلمان بات منطقيا أن ننتظر انعكاسات هذه التغيرات على السياسة الخارجية للمملكة بشكل عام وعلى العلاقات الثنائية بين المملكة السعودية والجمهورية التركية بشكل خاص.

سلمان وليًا للعهد

بينما تولى الملك سلمان بن عبد العزيز، حين كان ولياً للعهد في السعودية، ملف العلاقات بين المملكة وتركيا، وأسست زيارته أنقرة في مايو 2013 أساساً صلباً لها، حيث وقع، آنذاك، اتفاقية تعاون صناعي دفاعي. وقد شهدت هذه العلاقات نمواً على جميع الأصعدة، فقد بدأت الاستثمارات السعودية تدخل إلى تركيا بكثافة ملحوظة، كما أن كبرى الشركات التركية بدأت أعمالاً كبيرة في مسيرة التنمية السعودية.


الأوقاف السعودية

وزير الأوقاف السعودي في السنة الأخيرة والذي أقاله الملك سلمان في مرسومه الأخير هو عبد الله أبو الخيل الذي اشتهر قبل سنة من الآن عندما كان مديرا لجامعة الإمام بن سعود وعندما تهجم على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووصف تركيا بالدولة “الفاجرة والكافرة”. وعوض أن تقوم الإدارة السعودية آن ذاك بمعاقبة أبي الخيل كونه خالف أوامر وزارة الداخلية السعودية التي تمنع المسؤولين داخل الجامعات من التحدث في السياسة عامة ومن التهجم على الدول بشكل خاص، تم تعيين أبو الخيل وزيرا للأوقاف.



تركيا


ويعكس قطع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، جولته في القارة الإفريقية، وتوجهه إلى السعودية للعزاء برحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وإعلان الحداد يوماً في بلاده، إدراك أنقرة أهمية علاقتها مع الرياض، وضرورة تحسينها، ما دفع المراقبين إلى اعتبار خطوات تركيا هذه مبادرة في اتجاه تحسين العلاقات.

ولم يمضِ أسبوع على زيارة أردوغان إلى المملكة معزيًا، حتى أرسلت تركيا السفينة الحربية الوطنية، بويوكادا، إلى ميناء جدة البحري في إطار مناورات عسكرية مع دول البحر الأحمر.

وحسب مجلة فورين بوليسي الأميركية، يضع الملك سلمان العلاقات مع أنقرة في مقدمة أولوياته، خصوصًا أن من شأن هذه العلاقات أن تكون مؤثرة في قضايا مهمة للمملكة في دول عديدة. ويرى متابعون كثيرون أن التغييرات التي شهدتها السعودية، أخيراً، تدفع باتجاه التفاؤل بحدوث تغييرات في السياسة الخارجية السعودية، وفتح صفحة جديدة في العلاقات التركية السعودية.

الدولة والرجال


وقد كتب المحلل السياسي السعودي، جمال خاشقجي، إن "لكل زمان دولة ورجال.. وسياسة خارجية"، وأضاف "نحتاج غرفة عمليات مشتركة سعودية – أميركية – تركية، وظيفتها

إطفاء الحرائق والمصالحة"، وهناك مصالح ووجهات نظر مشتركة بين البلدين، ويمكن أن يكمل بعضهما بعضاً في قضايا كثيرة، لصالح المنطقة ككل. ويعتبر الملف السوري من أهم الملفات للتعاون المشترك بين أنقرة والرياض، فموقف البلدين ووجهات النظر متشابهة، في دعم المعارضة السورية ضد نظام الأسد في دمشق، والتعاون التركي السعودي القطري في دعم المعارضة قابله تعاون إيراني روسي لدعم الأسد.


ويقول بلال سلايمة، المحلل السياسي، إن مواجهة إيران تمثل أحد أهم ركائز تعزيز التعاون بين البلدين. فالتقارب الإيراني-الغربي والأمريكي تحديداً في الفترة الاخيرة الذي وصل إلى أبواب مرحلة التفاهم، يفتح الباب للتكهنات حول مصير السعودية كمتكأ للسياسات الأمريكية ودور تركيا كعضو الناتو المتقدّم في الشرق الأوسط، مما يشكل خطراً على مكانة الدولتين ودورهما في المنطقة. إضافةً إلى أنّ تمدد المشروع الإيراني الذي بات يسيطر على الحواضر الرئيسة في كل من العراق و سوريا ولبنان وصولاً لليمن يشكل حافزاً آخر لكلا الجانبين حتى يضعوا جانباً خلافاتهم وينسقّوا في مواجهة هذا التمدد الذي بات يشكل خطراً حقيقياً على مصالح البلدين في المنطقة.



وحسب ما نقلته صحيفة “ديلي صباح” التركية، قال أردوغان للصحفيين: “على الجميع أن ينتظروا ما سيفعله الملك سلمان بن عبد العزيز”، مضيفا أنه يرغب في أن يزور الملك سلمان مجددا خلال شهر فبراير الحالي، مؤكدا على ضرورة وجود عمل مشترك بين المملكة السعودية وتركيا لتأكيد وجود تعاون وتشارك بين دول العالم الإسلامي.

سيتا

مركز أبحاث “سيتا” الذي يتخذ من العاصمة التركية أنقرة مقرا له، نشر دراسة عنوانها “المملكة العربية السعودية بعد الملك عبد الله: عودة السديريين” عبّر من خلالها عن توجه الحكومة التركية “لتوظيف التغيرات الداخلية التي تشهدها المملكة السعودية لأجل دعم محاولات إصلاح العلاقات بين البلدين”، مشيرا إلى أن المملكة هي الدولة الإسلامية الثانية إلى جانب تركيا ضمن مجموعة العشرين “جي 20″، مؤكدا على أن التغيرات الداخلية التي شهدتها المملكة ستنعكس وتؤثر على السياسات الإقليمية والعالمية.

وتوقعت الدراسة التي أعدها مركز سيتا، التابع لرئاسة الوزراء التركية، من الإدارة السعودية الجديدة أن تتخلى عن السياسة المعادية لتركيا في الملف السوري والتي نهجها الأمير بندر بن سلطان عندما جعل المملكة تتخلى عن الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا ولجأ لدعم تنظيمات مسلحة أخرى ذات ميولات دينية متطرفة. مع العلم أن قرار إبعاد الأمير بندر بن سلطان كان من بين القرارات الأولى التي أصدرها الملك سلمان.



تحليلات

وإن كانت أنباء وتحليلات وتوقعات كثيرة تشير إلى بوادر تقارب سعودي تركي يوشك أن ينهي حالة البرود الذي عرفته هذه العلاقات في الماضي القريب، فإنه من المتوقع أن يقف هذا التقارب عند معالجة بعض مخلفات السياسات السعودية في السنوات القليلة الماضية – المعلنة وغير المعلنة – والتي كانت في أحيان كثيرة معادية لتركيا، في حين أنه سيكون من المستبعد أن يتحول هذا التقارب إلى شراكة استراتيجية وتعاون جدي في ملفات المنطقة، وخاصة أمام الإرث التاريخي القديم القائم على العداء، وكذلك أمام طموحات كلا الطرفين لقيادة المنطقة

مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -