قابل أي مناصر لوهم الشرعية، واطلب منه تعليقاً على خطاب عبد الفتاح السيسي الذي دافع فيه، قبل سنة، عن أداء وزير الداخلية المقلوش، محمد إبراهيم، قائلاً "الداخلية موجودة وبكل قوة وإخلاص للوطن، أوعى حد يقول فين الداخلية، لأن المهمة كبيرة جداً وشاقة جداً، وزير الداخلية ورجالته ما بيناموش، لكن المهمة كبيرة جداً"، وبعد أن تستمع منه إلى سيل من اللعنات في حق السيسي وإبراهيم والداخلية،
، ليعرف أن قائل تلك العبارات، لم يكن إلا رئيسه محمد مرسي، قبل أيام من عزله، بعد أن ظل دائم الدعم لمحمد إبراهيم وجلادي وزارته، بشكل أدى لإسقاط مئات القتلى

بعدها، قابل أي سيساوي من أنصار وهم "هتبقى قد الدنيا"، واطلب منه تعليقاً على حوار أجراه مرسي مع صحيفة ألمانية، قال فيه: "لست خجولاً من الاعتراف بأن هناك فجوة حضارية بيننا وبينكم، فالشرطة والشعب في ألمانيا متحضرون، ويتحلون بالمسؤولية، وتحصل الشرطة الألمانية على أحدث المعدات وأفضل تدريب". وبعد أن تستمع منه إلى سيل من الشتائم واللعنات في حق مرسي وجماعته، وكل من يشكك في تحضر وكفاءة الشرطة المصرية التي يحترمها العالم،  ليعرف أن قائل تلك العبارات، هو رئيسه السيسي الذي فوجئ في حواره مع مجلة "دير شبيجل" الألمانية بصحافيين، لا تنفع معهم سكة "مش هاسمح لك تقول كده تاني"، فانتزعوا منه بمهنيتهم تصريحات كان من البديهي ألا تقرأ نصها أبداً في وسائل "الإع.. لام" المصرية.
إذا كنت جديداً في متابعة "السيرك المصري الدامي"، ستكشف لك تجاربٌ كهذه أن موقف ملايين المصريين من وزارة الداخلية، يحدده قيامها بقمع خصومهم السياسيين وقتلهم، فإن فعلت لهم ذلك تباروا في مدحها والثناء عليها، وأسكتوا كل صوت يشير إلى وحشية أدائها وتخلفه، بل ومارسوا القمع المعنوي، والبدني إن لزم الأمر، على كل من يطالب بتطهيرها وإصلاحها بشكل جذري، بعيداً عن سياسات الترقيع وتغيير السفاحين القدامى بمشاريع سفاحين جدد.

لعلك تذكر كيف كان أنصار جماعة الإخوان يتبارون في الاحتفاء بقتل الداخلية وقمعها خلال تولي مرسي للحكم، وكيف كانت مشكلتهم معها أن يدها لم تكن باطشة كما ينبغي، في حين كيف كان خصومهم أيامها يمعنون في لعن سنسفيل الداخلية المتأخونة المُخترَقة، ثم لما انقلبت الآية، وأطلق السيسي شهوة ضباط الداخلية في القتل الجماعي والتعذيب والقبض العشوائي، أصبح أنصار الإخوان يتحدثون عن شرطة فرعون التي تستحق الهلاك المبين، وأصبح خصومهم يتحدثون عن الدور التاريخي لمحمد إبراهيم الذي وصفه كاتب ذو تاريخ عريق في المعارضة بأنه "أعظم وزير داخلية في تاريخ مصر". وفي ظل مناخ هستيري كهذا، لم يعد مجدياً تذكير الناس بأن المتغطي بالداخلية عريان، وأن بقاءها من دون تطهير جذري، سيؤدي إلى صناعة الإرهاب، وليس إلى وقفه، وسيجعل الاستقرار حلماً بعيد المنال، حيث لم يعد يعلو في مصر صوت فوق صوت مطالبة الداخلية بمزيد من القتل، أو صوت الشماتة الوضيعة في قتل ضباط وجنود الشرطة في الحوادث الإرهابية.

طيب، هل سينصلح حال الداخلية، الآن، لمجرد أن السيسي أطاح شريكه في القتل، محمد إبراهيم بعد أن صار عبئاً ثقيلاً عليه؟ إذا كنت تعتقد أن الإجابة نعم، فأنت تظن أن الله يمكن أن يصلح عمل المفسدين والقتلة. ومع ذلك، لا ألومك على المستوى الإنساني، إن فرحت برحيل قاتل غشيم، على أمل أن يكون القادم بعده أكثر انتقائية في القتل و"أشيَك" تقفيلا في البطش، فأنت للأسف موحول في طين واقعنا المرير، الذي لم يعد مسموحاً فيه إلا برسائل الاستعطاف البائسة التي ترجو من "جناب حضرت دولتلو سيسي باشا المعظم" النظر بعين العطف إلى أبنائه المعتقلين، والإنعام عليهم بالإفراج، ليكونوا سندا له في حربه المقدسة ضد العالم.

ولأنك تعلم أننا لا نمتلك سجوناً، بل سلخانات غير آدمية، فأنت لن تلوم نفسك، إن ألفيتها تتمنى استجابة "حضرت دولتلو" لاسترحامات أصابعه السياسية والإعلامية، أو أن يظهر عربون محبة لحكام الخليج والفرنجة، لتشجيعهم على حضور المؤتمر الاقتصادي، فيفرج عن قدر محسوب من المعتقلين، من دون تحقيق في أسباب ظلمهم، ولا عقاب لمن تسببوا في إضاعة أعمارهم، فأنت تعلم أن الأمل المتاح الآن هو تخفيف حدة الظلم، وليس إنهاءه، وأن الرجاء الممكن أصبح تقليل القتل الميري، وليس تجريمه، وأن غاية المراد من رب العباد باتت أن يجيد القاتل اختيار معاونيه، لإخراج مسرح الجريمة في أفضل صورة ممكنة.
يا له من بؤس.

العربى الجديد

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -