كان اللقاء في نادي الشرطة بالقرب من نادي الجزيرة، حين التقى السيسي رئيس طائفة العسكر، على رأس وفد من المجلس العسكري (مجمع الجيش المقدس) برئيس طائفة الشرطة أحمد جمال الدين، وزير الداخلية الذي فتح الطريق أمام جمهور الفلول والبلاك بلوك، للاعتداء على القصر الرئاسي، ورفض الرد على مكالمات رئيس الجمهورية.
وانتهى اللقاء بأن وجه رئيسا الطائفتين دعوة لمن سمّياهم "القوى السياسية"، للقاء في ملعب 30 يونيو، إعلانا عن بدء استيلاء المؤسستين الأمنيتين على المشهد السياسي، خروجاً على رئيس الجمهورية.
أتذكر ذلك اليوم جيدا، حيث كنت في لقاء ممثلي الأحزاب والشخصيات السياسية مع نائب رئيس الجمهورية، المستشار محمود مكي، ومساعدي الرئيس في أحد الفنادق القريبة من قصر الاتحادية، لاستكمال النقاش بشأن الموقف السياسي المرتبك، حين اتصل بي أحد القضاة المشهورين بانحيازهم إلى ثورة يناير، ليقول لي إن الفلول و"المواطنين الشرفاء" من أتباع مبارك وأحمد شفيق يستعدون لافتعال مذبحة هذه الليلة، وأن معلومات وصلت إليه عن تواطؤ أمني.
صحيح أن رئاسة الجمهورية أحبطت اللقاء الذي دعا إليه الوزيران، العسكري والشرطي، للانفراد بإدارة العملية السياسية، وأن وزير الدفاع ذهب إلى الرئيس، ليشرح ويعتذر ويجدد الولاء (المزيف) فيما بعد، إلا أنه بدا، لحظتها، أن اللعب قد بدأ، فكان قرار إقالة وزير داخلية تمرد، أحمد جمال الدين، واختفائه من المشهد تماما، حتى عاد مرة أخرى متقدماً صفوف الانقلاب في 30 يونيو/حزيران، حيث كان يقود أول مسيرة للثورة المضادة، تدخل ميدان التحرير، ثم مع تولي عبد الفتاح السيسي الرئاسة، يتم تعيينه مستشاراً شخصياً له للشؤون الأمنية.
وتحتفظ ذاكرة الجنرال "جوجل" والكولونيل "يوتيوب" بلقطات شهيرة للسيسي وجمال الدين متعانقين، ومتشابكي الأيدي، إيذاناً بتدشين تحالف الثورة المضادة في نهاية 2012، وتجسد هذه الصور الشراكة المستمرة بين الجنرالين حتى الآن، إذ ظهرت أصابع جمال الدين في إطاحة اللواء محمد إبراهيم وزير داخلية الانقلاب، الذي يبدو أنه، في الفترة الأخيرة، كان يتصرف باعتباره شريكاً في انقلاب الثلاثين من يونيو، مناصفة مع السيسي، من دون أن ينتبه إلى أن الأخير بدأت تتلبسه حالة بونابرتية ناصرية، تنفخ فيها كل يوم ماكينة إعلامية جبارة، كادت تخلع عليه صفات الألوهية، ومن ثم كان لابد أن يوضع وزير الداخلية في مفرمة الجنرال الممسك بكل السلطات، خصوصاً بعد أن ظهر إبراهيم في تسريب أخير يتحدث لضباط الشرطة، وكأنه "زعيم الداخلية".
ومرة أخرى، تتحرك أصابع أحمد جمال الدين، لتضع لواء كان يترأس الأمن الوطني "أمن الدولة" وزيراً للداخلية، وهي من المرات النادرة، في السنوات الأخيرة، التي يقود فيها "أمن الدولة" وزارة الداخلية، إذ إنه بعد تجربة حبيب العادلي، تعاقب على الوزارة أربعة لواءات، ليس منهم واحد من الأمن الوطني (الاسم الجديد الذي اختاره المجلس العسكري لأمن الدولة)
والمعنى المباشر لتعيين اللواء مجدي عبد الغفار، القادم من أمن الدولة، وزيراً للداخلية، أن السلطة الحالية باتت مسكونة بهاجس الأمن السياسي، أكثر من أي شيء آخر، وها هو عبد الفتاح السيسي يواصل استنساخ طريقة مبارك، في تأمين سلطته، وينقل حرفياً من كتابه في الحكم، مستدعياً "حبيب العادلي" جديداً، يحكم بالحديد والنار، ما يعني أيضاً أن الفترة المقبلة ستشهد تشديداً للقبضة القمعية على النشاط السياسي، إذ تتجه السلطة إلى التصعيد مع التظاهرات والاحتجاجات، تحت مظلة الحرب على الإرهاب، والعزف على وتر الأمن القومي المهدد، والذي تراق على جوانبه دماء الحريات السياسية والاجتماعية، وتؤجل الانتخابات إلى آجال غير معلومة، لتبقى كل السلطات في يد الرجل الذي استحوذ على مؤسسة الانقلاب وحده.
إنها العودة الكاملة إلى 24 يناير، غير أن الخامس والعشرين منه ليس غداً..
0 التعليقات:
Post a Comment