لم تكن نبوءة ديفيد هيرست بالصائبة عندما تحدث عن اكتمال ما أسماه "انقلاب القصر" السعودي، إذ تأكدت اليوم التسريبات التي تداولتها الأروقة السعودية من وجود اتجاه لإحداث تغييرات واسعة في مراكز القرار السعودي، سواء منها ما تعلق بمراكز العائلة المالكة، أو الحكومة. وهو ما يفيد أن التخوفات من الحلقة "المقلقة" في خريطة مستقبل العائلة المالكة لم تكن حسمت خلال رحلة التغييرات الأولى التي أجراها الملك سلمان.


الثورة الجيلية وأزمة الوريث

يمكن تقسيم التغييرات الأخيرة التي أحدثها الملك سلمان لمستويين: أولهما مستوى التغييرات بالنخبة المركزية، والتي تعلقت باستبعاد الأمير مقرن، وسلسلة الترتيبات التي تعلقت بملء الفراغ الذي أعقب هذا الاستبعاد. والمستوى الثاني تعلق بالتغييرات التي مست محيط النخبة الحاكمة، وهو التغييرات الوزارية.

أما بالنسبة للتغيرات التي حدثت في النخبة المركزية، فيمكن القول بعامة أنها لم تكن وليدة محض مغامرة نخبوية سديرية. وإنما تمت بناء على رؤية لمرحلة ما بعد انتهاء الخط الأفقي للخلافة السعودية، والتي باتت تشكل هاجسا لم تكن ملاحظته أمرا عسيرا.

لا شك في أن بصمة النفوذ السديري قد لعبت دورا في ترتيب المشهد الراهن على النحو الذي آل إليه، وأنها قد تجاوزت سياق الحرمان من المشروعية التي فرضه عليها الملك عبد الله، إلا أن المتغيرات المحدقة بالمملكة كانت ما دفع المسارات المتنافسة جميعها إلى الانتباه لخطورة وضع المملكة عقب فناء جيل أبناء الملك عبد العزيز.

وبرغم أن 35 عضوًا في مجلس البيعة قد أبدوا تولي مقرن منصب ولي العهد، وهو ما جعل توليه "محصنا"، إلا أن السياسة الواقعية تغلب القيود القانونية الصورية. فمن ناحية، واجه تعيين الأمير مقرن معارضة من أبناء الملك عبد العزيز الباقين على قيد الحياة، وبخاصة الأمير أحمد (الأخ الشقيق للملك سلمان). وهو ما فتح الباب لوجود معارضة مكنت لمشروع التغيير. هذه المعارضة عززها النسب اليمني للأمير مقرن، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات عن قدرته في ترك خليفة له يحظى باتفاق العائلة الحاكمة.

غير أن الأكثر أهمية من معارضة أبناء الملك عبد العزيز وجود حالة من السيولة التي تقلق العائلة الحاكمة، حيث كان حكماء العائلة والمراقبون يرون أن المملكة ستواجه تحديًا غير مسبوق في اختيار من يخلفه من أحفاد الملك عبد العزيز، وهو الأمر الذي قدر خبراء أنه قد يثير تساؤلات حول شرعية لم يواجهها الحكم السعودي في القرن الأخير. وكان الراجح بين المراجع السياسية للعائلة المالكة أن الحفاظ على إجماع الأسرة سيصبح أكثر صعوبة كلما اقترب جيل الشباب من الوصول الى السلطة.

وبما أن قضية أحفاد الملك عبد العزيز قد أثيرت، فإن قضية الصراع بين أبناء هذا الجيل يأتي في توقيت استهلكت فيه المملكة الخط الأفقي من خطوط ولاية العهد، وبدا حتميا اتجاه الولاية رأسيا باتجاه أحفاد الملك عبد العزيز. وقد حسم الملك سلمان فور توليه سدة الحكم أمر المنافسة بين الأحفاد؛ أو الحفيدين: محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله بإزاحة متعب من ولاية الولاية وإسنادها لمحمد بن نايف. وركان المحرك الأساس وراء هذه الإزاحة خشية مغبة استمرار إبعاد السديريين ذوي القوة السياسية والاقتصادية، في توقيت بالغ الحرج بالنسبة للمملكة داخليا وخارجيا؛ مما لا يتيح للأحفاد تسوية خلافاتهم، فكان الحسم الفوقي من الأهمية بمكان.

غير أن تعديلات 23 يناير 2015 لم تحرك حجرا أساسيا في ترتيبات الماضي. فالأمير مقرن خلا من مقومات تبوء العرش إلا من خبرة عشرية في قيادة المخابرات السعودية، وكونه ابنا للملك عبد العزيز. وكان تقدير مراجع العائلة الملكة أن اختيار مقرن كان محاولة لحصول الملك عبد الله على ولائه؛ بما يضمن تمرير الحكم لابنه متعب من بعده. وكانت هذه الحلقة أهم ما أرادت نخبة الملك سلمان حسمها لتتوافق القوة الاقتصادية السياسية مع التسمية الشرعية لولي عهد المستقبل عبر تأييد السديرية لهيكل التوريث المطروح، وهو ما يرى الملك سلمان أنها صمام أمن مستقبل المملكة وملك آل سعود.


التغييرات الوزارية

من اليسير الحديث عن استقرار بعض الوزارات السيادية، على نحو ما جرى به الحا، حيث تحتفظ العائلة الملكة بالحقائب السيادية التي تشمل رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء والنائب الثاني لرئيس الوزراء، فضلاً عن وزارات الدفاع والداخلية والحرس الوطني والتعليم والشؤون البلدية. وإن كان الاستثناء الوحيد الذي مس هذه المناصب ما تعلق بحقيبة الشؤون الخارجية التي تولاها عادل الجبير بعد طلب الأمير سعود الفيصل إعفاءه من منصبه. وجدير بالذكر أن الجبير كان مستشار للشؤون الخارجية للأمير سلمان عندما كان وليا للعهد، وهو ما رتب صلة وثيقة بين الملك سلمان والجبير الذي أظهر وعيا لافتا بأهمية المتغير الإعلامي وأثره في إدارة صورة المملكة في الغرب بعامة، والولايات المتحدة بخاصة.

ولم يطل التغيير وزارة الحرس الوطني، التي يتولاها الأمير متعب بن عبد الله، برغم أن وجوده لا يزال يمثل مصدرا للتخوف من قلاقل محتملة. وكان التويب الشهير "مجتهد" قد صرح بأن الملك سلمان ينتوي إحداث تغيير وزاري مرتقب فيما يتعلق بوزارة الحرس الوطني. ولفت "المجتهد" لتدخل الأمير "متعب" لدى الأمير مقرن خلال الأيام الماضية ليمنعه من الاستجابة لضغوط كانت تمارس عليه للمبادرة بنفسه بإعلان التنحي بصيغة يجري الاتفاق عليها بدلًا من أن يتم إبعاده بأمر ملكي. ويبدو أن حساسية الموقف على الحدود اليمنية باتت اليوم تمثل محكا لاختبار ولاء وقدرة الأمير متعب، وهي القدرة التي باتت مهددة اليوم بعدما تسرب من أنباء عن هروب أكثر من 4000 جندي من القوات السعودية المرابطة على الحدود السعودية اليمنية خشية إقدام السعودية على اتخاذ قرار بالتدخل البري في اليمن.

أما بقية التغييرات الوزارية، فغلب عليها طابع توظيف أصحاب الملكات الإدارية المتميزة في الوزارات الشاغرة، وكان أكثر التكليفات لفتا للنظر في هذا الإطار تعيين الرئيس التنفيذى لشركة أرامكو السعودية إحدى أكبر شركات النفط فى العالم، خالد الفالح، وزيراً للصحة ورئيساً لمجلس إدارة أرامكو. وكذا المهندس عادل محمد فقيه الذي كان يشغل منصب وزير العمل منذ 18 أغسطس 2010، ومن قبله شغل والصحة.


مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -