القضاء المصري الذي يوصف بأنه مستقل من قبل مسؤولين حكوميين ومتملقيهم، تخلى عن أي علامات باقية تدل على حياده ..


هذا ما خلصت إليه صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) الأمريكية في مقال للرأي للصحفي المصري المستقل ومراسل برنامج "الديمقراطية اﻵن" في مصر شريف عبدالقدوس تحت عنوان القضاء المصري: شريك أصيل في القمع.


وإلى نص التقرير:


الرئيس المعزول محمد مرسي حُكِم عليه بالسجن 20 عاما بتهم تتعلق بمقتل 10 متظاهرين فيما يُعرف بأحداث الاتحادية، وهو الحكم الذي جاء بعد 5 أشهر فقط من تبرئة سابقه حسني مبارك وإسقاط تهم قتل آلاف المحتجين في ثورة 25 من يناير عام 2011.


تناقض صارخ وله دلالات، حيث إن النظام القضائي المصري الذي يوصف بأنه مستقل من قبل مسؤولين حكوميين ومتملقيهم، تخلى عن أية بقايا للحيادية، ففي عصر مبارك أظهر القضاة بعض الاستقلالية مما اضطر النظام للجوء بشكل دوري لمحاكم استثنائية مثل المحاكم العسكرية أو محاكم أمن الدولة للحصول على الأحكام التي كانت ترغب بها.



لكن بعد ثورة يناير، والأحداث الصاخبة التي أعقبتها، أصاب الرعب مؤسسات الدولة متبنية سياسة حصار في وجه ما كانت تعتبره تهديدا وجوديا لها، ولم يعد النظام القضائي يحاول الحفاظ على سيادة القانون أو يحقق العدالة للمواطنين وأصبح هدفه الأساسي هو حماية الدولة وفي مقدمتها الجيش والشرطة.



أما القضاة فيصدرون أحكاما قاسية بشكل روتيني ليس فقط ضد منتقدي الحكومة لكن لأي شخص يُنظر إليه بأنه يمثل تهديدا للنظام الحاكم، فقد تم استهداف الإسلاميين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين بالمجتمع المدني والصحفيين وأعضاء النقابات العمالية وأطفال الشوارع.


في غضون ذلك، حصل مسؤولو الشرطة والموظفين العموميين على أحكام بالبراءة، وعلى الرغم من قتل المئات من المتظاهرين من قبل قوات الأمن، يصعب أن ترى أمامك ضابط شرطة واحد يُحكم عليه بالسجن، وبالرغم من تفشي فساد وعنف نظام مبارك، أطلِق سراح جميع مسؤوليه من السجن.



في الأيام العنيفة التي أعقبت ثورة يناير، كانت قصة مصر في الشوارع، حيث كانت التعبئة الجماهيرية قوة سياسية فعالة وبعد أربع أعوام، أشعر كمراسل أن السجون تعج بالمعتقلين ولا تزال المحاكمات مستمرة.



وتعقد العديد من المحاكمات في قاعات محاضرات بمعهد الشرطة داخل مجمع سجن طرة المترامي الأطراف، وهذه بكل الأحوال ليست قاعة محكمة، وحتى تصل لها تمر بثلاث عمليات تفتيش أمنية، وغالبا ما يسمح فقط للمحامين والصحفيين بالدخول، لكن أسر المعتقلين ينبغي عليهم الانتظار في الخارج بين الكلاب البوليسية ودبابات الجيش.



أما داخل المحكمة، فقد تم تجهيز قفص يوضع فيه المتهمون ةوهو مبطن بزجاج عازل للصوت، ما يجعل سماعهم أو رؤيتهم أمرا مستحيلا، وخلال فترات الاستراحة، يتم التواصل مع المتهمين من خلال لغة الإشارة.



وخلال جلسات المحاكمة، يفعل محامو الدفاع ما بوسعهم، وفي مواجهة الأدلة التي تستند بشكل موحد تقريبا فقط على شهادة الشرطة، يقدمون لقطات فيديو وشهود، ويرجعون إلى القانون الإجرائي والاستشهاد بالدستور ويقومون بمرافعات ختامية مفصلة، لكن جهودهم عادة ما يتمخض عنها القليل.



المحامي محمود بلال، الذي قضى شهورا ممثلا عن متهمين في ثلاث قضايا تتعلق بالتظاهرات، قال إنه وقف عاجزا وهو يشاهد موكليه يتلقون أحكاما بالسجن تتراوح بين عامين وسجن لمدى الحياة.



ويقول بلال "فقدنا أنا وزملائي الثقة في القضاء ولكن ما نفعله على الأقل يساهم في كشف الانتهاكات الممارسة في تلك القضايا ويجعل الأمر أكثر صعوبة على القضاة في إصدار أحكام سياسية".



أحكام تتراوح من الصادمة إلى اللامعقولة




على مدار الأسبوعين الماضيين، منحت إحدى المحاكم قوات الشرطة الحق في ترحيل وحظر دخول الشواذ الأجانب للبلاد، وتم إصدار حكم على الراقصة "صافيناز" بالسجن لمدة 6 أشهر بتهمة إهانة العلم المصري، على الجانب اﻵخر حُكِم بالإعدام على 22 شخصا متهمين باقتحام قسم شرطة وقتل ضابط.



وحُكِم أيضا على 14 شخصا آخرين بالإعدام و 37 بالسجن مدى الحياة بينهم صحفيون ومواطنون أمريكيون محتجون على عزل الجيش لمرسي، والقضيتين الأخيرتين أشرف عليهما القاضي محمد ناجي شحاتة، الذي أصبح صاحب السمعة الأسوأ في مصر.



ويشتهر شحاتة بجسمه الممتلئ وشاربه وارتداءه نظارات شمسية سوداء داخل قاعة المحكمة، ووفقا لصحيفة التحرير، فقد حكم شحاتة بالإعدام على 204 شخصا، وإليك كيف برر شحاتة الحكم ضد صحفيين الجزيرة الثلاث في عام 2013 حيث قال: "إن الشيطان شجعهم على استخدام الصحافة وتوجيهها نحو اتخاذ إجراءات ضد الدولة".



على الرغم مما سبق، فإن المشكلة ليست قاصرة على قضاة بأعينهم، حيث تم تطهير القضاء بشكل ممنهج من القضاة المعارضين وأعضاء النيابة.



القضاء، الذي كان في وقت من الأوقات أداة لكبح الدوافع الاستبدادية للنظام، أصبح اﻵن شريكا راغبا في القمع، ولم يعد يُنظر إليه بأنه فوق الخلافات السياسية، وإذا حدث وأن قامت ثورة أخرى في مصر، فربما يكون النظام القضائي الهدف الأول للغضبة الشعبية.


مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -