وصفت شبكة "بلومبيرج" الأمريكية، في مقالها الافتتاحي اليوم الخميس، تسليح الجيش المصري بمثابة "شر لابد منه"، فبالنظر إلى الوضع المشتعل في منطقة الشرق الأوسط، أصبح من غير المنطقي حظر إرسال المساعدات العسكرية لمصر.



فيما يلي نص المقال:



قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما برفع الحظر المؤقت عن المساعدات العسكرية لمصر يعطي دلالة قاسية للواقع، فمنذ الإطاحة بمحمد مرسي عام 2013، يتصرف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كالمستبد، متجاهلا الحقوق المدنية للمواطنين بشكل تام.



وتعهدت الإدارة الأمريكية بعدم إرسال المساعدات العسكرية لمصر حتى تظهر حكومتها "تقدما موثوقا" نحو استعادة الديمقراطية، إلا أنه بالنظر للأزمات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أصبح من غير المنطقي حظر إرسال المساعدات.



لا يوجد أي مبالغة في تقدير مدى أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر لشؤون الشرق الأوسط، فمصر هي ثاني أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأمريكية - بعد إسرائيل - منذ توقيعها على معاهدة كامب ديفيد للسلام في عام 1979، كما أنها لا تزال أقوى حليف عربي لواشنطن، حيث ساعد اعترافها بإسرائيل في بقاء الدولة اليهودية على قيد الحياة وتعزيز شرعيتها الدولية.



وخلال الآونة الأخيرة، ظلت حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي شريكا قويا في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وشاركت في قوات التحالف التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، الذين أطاحوا بحكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الصديقة لأمريكا، كما شنت الحكومة المصرية غارات جوية ضد الميليشيات الإسلامية في ليبيا.



ومن خلال استئناف المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، التي تتضمن تسليم مصر 12 طائرة من طراز "إف-16" و20 صاروخا من طراز "هاربون" وما يصل إلى 125 مجموعة لوازم للدبابات "إم1إيه1" كانت مجمدة، لا تُقدم إدارة أوباما مكافأة لجهود السيسي فحسب، ولكنها أيضا تُؤكد لحلفائها العرب الآخرين أنها ما زالت تقف إلى جانبهم، رغم التفاوض على اتفاق نووي مع إيران، عدوهم الإقليمي اللدود، فكان التقارب المحتمل بين طهران وواشنطن بلا شك عاملا رئيسيا وراء قرار السعودية للدفع نحو تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة، بما يهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.



وقد يُمثّل قرار أوباما شعورا مزعجا لدى الأمريكيين بأن إدارتهم تعطي الشرعية الكاملة للحكومة العسكرية في مصر، لأنها بذلك توافق على وفاة حلم الديمقراطية النابع عن ثورات الربيع العربي، حيث سجن نظام السيسي آلاف المعارضين السياسيين، وطمس حرية الصحافة، وفرض إجراءات صارمة ضد المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج، وحكم بالإعدام على مئات الأشخاص في محاكمات جماعية، وألغى الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر إجراؤها خلال الشهر الجاري.



غير أن البيت الأبيض وضع شروطا للحفاظ على بعض النفوذ، فلم تعد مصر قادره على شراء المعدات العسكرية عن طريق الائتمان من حزمة المساعدات السنوية المستقبلية، كما أنها لم تعد حرة في إنفاق الأموال وفقا لرؤيتها، بل سيكون الإنفاق مقتصر على أهداف بعينها، وهي: مكافحة الإرهاب، وحماية الحدود البرية والبحرية، وتأمين شبه جزيرة سيناء لمنع انتشار تنظيم داعش.



وخلال السنوات المقبلة، يجب على البيت الأبيض والكونجرس أن يستفيدا من هذا النفوذ، فبدلا من أن يكون الاستمرار في تقديم المساعدات أمرا مفروغا منه، يتعين على واشنطن إجراء مناقشات جدية سنويا حول التقدم الذي تحرزه الحكومة المصرية نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.



يولع كل من الرئيس أوباما وسلفه جورج دبليو بوش بتسمية التوتر بين المخاوف الأمنية لأمريكا ومثلها العليا بأنه "خيار زائف"، بدعوى أن تمسك الولايات المتحدة بأعلى قيمها الأخلاقية يخدم المصلحة الوطنية، ومع ذلك، كان الخيار حقيقيا للغاية في هذه الحالة، فبالنظر للوضع في الشرق الأوسط، لم يكن رفع الحظر عن المساعدات العسكرية لمصر قرارا صائبا فحسب، ولكن أيضا لا مفر منه.

مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -