تحت عنوان "أوباما يتبنى مبدأ نيكسون في مصر"، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقالاً كتبه الباحث بمعهد بروكينجز روبرت كاجان بالاشتراك مع الباحثة الأولى في برنامج معهد كارنيجي للشرق الأوسط، حيث تناولا فيه سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في التعامل مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.


واستهل الكاتبان مقالهما بالتساؤل "هل الرئيس السيسي حليف لنا بالفعل في نضالنا ضد الجهاد الإسلامي والإرهاب في الشرق الأوسط؟"، مضيفين أن ذلك يبدو وجهة نظر سائدة في الوقت الراهن.

وتطرقا إلى تقرير نشرته مؤخرًا صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية وصفت فيه الرئيس السيسي بأنّه "هبة جيوسياسية من السماء"، كما سبق ودعا المحلل السياسي الأمريكي الشهير جورج ويل إلى منح السيسي جائزة نوبل للسلام.

وعقب كاجان ودن في مقالهما على تلك الدعوة بسخرية، قائلين "ربما يتم استحداث فئة جديدة لمنح جائزة نوبل للسيسي، مثل القتل الجماعي أو التعذيب".

وأشارا إلى أن أوباما أعطى السيسي الأسبوع الماضي المباركة المطلقة بإعادة المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر التي تم وقفها عقب إطاحة الجيش في عام 2013 بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر، وذلك رغم حملة تديرها الحكومة المصرية الحالية بلا هوادة من الانتهاكات ضد حقوق الإنسان.

ولفت المقال إلى أن قرار أوباما بشأن المساعدات العسكرية جاء بعد أيام من إعلان مصر إرسال أربع سفن حربية لمساعدة السعودية في محاربة متمردين مدعومين من إيران في اليمن، لذلك يبدو قرار أوباما وكأنه مكافأة لمصر على تطوعها في هذه الحرب.

وقال الباحثان إن فكرة اعتبار السيسي حليفا فعالا ضد "الإرهابيين الإسلاميين" هي فكرة مضللة، مضيفان أنه في واقع الأمر أصبح واحدا من أفضل الأدوات المساعدة للجهاديين على تجنيد مزيد من العناصر.

الحقيقة بكل بساطة، بحسب قولهما، أنه منذ تولي السيسي السلطة، ارتفع معدل الهجمات الإرهابية في مصر، حيث شهدت الـ22 شهرا الماضية أكثر من 700 هجوم إرهابي، وذلك مقابل 90 فقط شهدتها الـ22 شهرا السابقة عليها.

وأضافا أنه من الصعب حساب عدد الشباب الذين انضموا إلى صفوف المتطرفين بسبب قمع السيسي، إلا أنه يمكن افتراض أن هذا العدد ضخم ومتزايد.

وعلاوة على ذلك، يشير الكاتبان إلى ما لا يقل عن 42 ألف معتقل سياسي يقبعون في السجون المصرية في الوقت الراهن، كما تشير تقارير إلى تعرضهم للتعذيب والاعتداء الجنسي بشكل كبير داخل معتقلاتهم، إضافة إلى قتل جماعي في عام 2013 (في إشارة ﻷحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة)، وأحكام الإعدام الجماعية التي وضعت مصر ضمن أكثر الدول إصدارا ﻷحكام الإعدام بحسب منظمة العفو الدولية.

ومضى الباحثان في ذكر ما يتعرض له المعارضون السياسيون في مصر من "سجن واعتداءات خارجة عن القانون"، سواء النشطاء الشباب العلمانيين، أو أنصار جماعة الإخوان المسلمين.

ولفتا إلى أن جهاز الأمن الداخلي عاد أكثر نشاطا عقب "انقلاب 2013" ليعيث في الأرض فسادا (حسب قولهما)، مدللين على ذلك بحادث مقتل الناشطة شيماء الصباغ.

وقالا إنه عقب إطلاق الرصاص على شيماء الصباغ من قبل ضابط شرطة ملثم خلال مسيرة سلمية صغيرة بالقاهرة في يناير الماضي، وتصوير الحادث بالفيديو، اضطرت الحكومة نتيجة الغضب الشعبي إلى التحقيق في مقتلها والقبض على الجاني، لكن الجهاز الأمني ثأر لذلك بالقبض على أحد الشهود بعد أن تقدم للإدلاء بشهادته.

وتساءلا "في هذه البيئة، هل من المفاجئ ظهور تقارير بصورة منتظمة عن اتجاه الشباب المصري والإسلاميين الذين كانوا في السابق سلميين، إلى التطرف؟"، معقبان بقولهما إن "أفعال السيسي الوحشية تتحدث بصوت أكثر ارتفاعا بكثير عن صوت كلماته بشأن "إصلاح الإسلام".

وأضافا أن التصديق في أن السيسي أو المؤسسات الدينية التابعة لحكومته من الممكن أن يكون لهم أثر إيجابي على الشباب المعرضين للتحول إلى التطرف هو تفكير أبعد من الخيال، وسيكون ذلك شيئا مضحكا إذا لم يكن وهما ذاتيا خطيرا (حسب قولهما).

وتبعا القول "كان من الأجدر أن نكون تعلمنا من الخبرات السابقة، ففكرة دعم الحكام الديكتاتوريين باعتبارهم وكلاء في الحرب ضد التطرف في الشرق الأوسط ليست فكرة جديدة، كما أن الفشل الحقير لهذه الاستراتيجية ليس سرا، فقد سبق ودعمنا شاه إيران الذي قضى على المعارضة المعتدلة والمتطرفة فقط لنراه وهو يطاح به من قبل أكثر الحركات الإسلامية تطرفا في القرن الماضي".

وفي مثالين آخرين، أشار الباحثان إلى دعم الولايات المتحدة الديكتاتور العسكري الباكستاني السابق محمد ضياء الحق الذي شهدت فترة حكمه تطرفا إسلاميا غير مسبوق، كما دعمت واشنطن ديكتاتوريتي آل سعود في السعودية وحسني مبارك في مصر فقط لرؤيتهما وهما يقمعان تنظيم القاعدة ومنفذي هجمات 11 سبتمبر 2001.

وأضافا أنه من الطرافة بمكان أن السيسي ليس بحاجة للسلاح، فمصر لديها مخزون ضخم منه، وعلى أي حال، فإن الولايات المتحدة تمد مصر دائما بالمساعدات الضرورية لمكافحة الإرهاب، لكن ما يريده السيسي هو إشارة من الولايات المتحدة بالتأييد الكامل له لتعزيز شرعيته، وقد أعطته إدارة أبواما هذه الهدية كما ينبغي (حسب قولهما).

ثم تساءل كاجان ودن "في مقابل ماذا؟ هل نحتاج أن ندفع للسيسي لمحاربة التطرف؟"، معقبان بالقول "هذه حماقة كبرى جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية، فالفكرة هي أنه علينا استئجار الديكتاتوريين بمئات الملايين من الدولارات لجعلهم يفعلون ما يريدون في الواقع فعله".

فالسيسي، حسب قولهما، سيحارب التطرف بطريقته الخاصة سواء دفعت له الولايات المتحدة أم لا، والاختلاف الوحيد هو تورط واشنطن، والآن، عندما يقوم حليف للولايات المتحدة بحبس وتعذيب الشباب المصريين، وهو السبب الذي قد يجعلهم يتجهون للإرهاب، سيكون لديهم هدف أكبر، وذلك في إشارة إلى أن ضحايا هذا الحبس والتعذيب لن يكون نظام السيسي هدفهم الوحيد، وإنما سيستهدفون الولايات المتحدة أيضا.

وخلص كاجان ودن إلى أن الولايات المتحدة بذلك تعود إلى الطرق القديمة في مصر، وتحديدا العودة إلى "مبدأ نيكسون" من جديد، قائلان "وجميعنا سنقع فريسة لنفس الخدع مثل أن الديكتاتوريين يعنون الاستقرار، وأن القمع الوحشي هو حل أزمة التطرف".

واختتما الباحثان مقالهما بالقول "إننا نصنع من السيسي أسدا بالضبط كما فعلنا مع شاه إيران وحسني مبارك وغيرهما من الحكام المستبدين الذين سبقوه في الشرق الأوسط .. إنه رجلنا حتى ذلك اليوم الذي ينهار فيه نظامه .. هو جيوسياسية من السماء؟ جربوا قنبلة جيوسياسية موقوتة".

يذكر أن مبدأ نيكسون قائم على أن الولايات المتحدة ستعمل على تشجيع بلدان العالم الثالث على تحمل مسؤوليات أكبر في الدفاع عن نفسها، وأن يقتصر دور أمريكا على تقديم المشورة وتزويد تلك الدول بالخبرة والمساعدة.

مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -