تشهد تونس بين الشهر الماضي والحالي موجة من الإضرابات المتفاقمة في جميع القطاعات الحساسة للمطالبة بتحسين أوضاع العمال والجهات المحرومة، في وقت بدت فيه الحكومة التونسية عاجزة عن تقديم إجراءات حاسمة للحدّ من الإضرابات وتهدئة المناخ الاجتماعي.
وتعصف الإضرابات العمالية بجميع القطاعات والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية في البلاد إلى درجة أنه لا يكاد يمرّ يوم واحد حتى تتناقل وسائل الإعلام خبرا عن تنظيم اعتصامات أو إضرابات للمطالبة بالزيادة في الأجور وصرف المنح أو تفعيل الترقيات المهنية.
فعقب إضرابات متزامنة هزت بالشهر الماضي قطاعات عديدة نتيجة تفاقم إضرابات أساتذة التعليم الثانوي والمعلمين والأطباء والقضاة وأعوان الجمارك وموظفي الاتصالات وأصحاب سيارات الأجرة وعمال قطاع الفسفاط تستعد البلاد لإضرابات جديدة نهاية الشهر الجاري.
ومن المرتقب أن يدخل معلمو المدارس الابتدائية شهر مايو الجاري في إضراب جديد بيومين، إلى جانب تنفيذ إضراب عام في جميع الصحف المكتوبة وإضراب عام في مؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسية وإضراب موظفي وزارة الخارجية وشركة الكهرباء والغاز وغيرها وغيرها.
وخلقت الإضرابات العمالية حالة من الاستياء العارم لدى المواطنين التونسيين بسبب تعطل مصالحهم بصفة مباشرة جراء هذه الإضرابات.
ويقول محمد الأمين لمصر العربية إنّ النقابات العمالية أصبحت تعتمد سياسة الأرض المحروقة في الحصول على الامتيازات.
ويضيف بشيء من التذمر "لقد أصبحنا نعيش على وتيرة الإضرابات اليومية في جميع القطاعات إلى درجة عدم الاكتراث بمصالح المواطنين وبمصلحة البلاد التي أصبح اقتصادها على حافة الانهيار والافلاس"، مشيراً إلى أنّه بات لا يثق في قدرة الحكومة على الإمساك بزمام الأمور.
لكنّ المعلم عبد الرزاق يقول لمصر العربية إن الإضرابات العمالية حق مشروع تضمنه الدستور للضغط على الحكومات من أجل تطبيق اتفاقات الزيادة في الأجور لتعزيز المقدرة الشرائية للعمال والموظفين حتى يتمكنوا من مجابهة الزيادات في الأسعار التي طالت جميع المنتجات.
ويضيف بكثير من الاستياء بأنّ المعلمين الذين يستعدون للدخول في إضراب جديد يومي 12 و13 من الشهر الجاري "أصبحوا غير قادرين على تحمل الأعباء اليومية لنفقاتهم"، مؤكداً بأنّ الزيادة بالأجور المقررة في القطاع العام بخمسين ديناراً "هزيلة ولا تستجيب لتطلعاتهم".
ويرى بأنّ الاتفاق بين الحكومة واتحاد العمل على تلك الزيادة جاءت لمجرد ذرّ الرماد على الأعين وامتصاص غضب الطبقة الشغيلة التي قال إنها أوضاعها تردت بشكل كبير في الحكومات المتعاقبة بعد الثورة نتيجة اعتمادها على سياسة الترفيع في الأسعار وتقليص الدعم.
وكانت الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل توصلا إلى توقيع اتفاق يقضي بزيادة الأجور في القطاع العام والوظيفة العمومية بقيمة 50 دينار (25 دولارا)، وبزيادة الأجور في موظفي وأعوان المؤسسات العمومية والشركات الحكومية بقيمة 70 دينارا.
فيما قال الخبير الاقتصادي مراد الحطاب لمصر العربية إنّ إصرار النقابات العمالية على شنّ المزيد من الإضرابات للمطالبة بالزيادة في الأجور سينهك الاقتصاد، الذي يعيش على وقع الاختلال في التوازنات المالية وارتفاع العجز بسبب تدهور موارد الدولة وارتفاع نفقاتها.
وأشار إلى أنّ تردي المناخ الاجتماعي في البلاد وظهور بؤر توتر في المناطق الفقيرة يعطي انطباعا سيئاً لدى المستثمرين بأن الأوضاع غير مستقرة في البلاد، مؤكداً بأن هناك 2600 مؤسسة أجنبية غادرت البلاد عقب الثورة وذلك بسبب ارتفاع الإضرابات والاعتصامات.
لكنّ الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل بلقاسم العياري يقول إنّه بقطع النظر عن الإضرابات العشوائية التي لا تحترم أطر القانون فإنّ الإضرابات المشروعة ورقة أخيرة يتمّ اللجوء لها من قبل العمال من أجل حمل الحكومة على تطبيق اتفاقات سابقة.
ويضيف لمصر العربية بأنّ اتحاد العمل يرفض شيطنة الإضرابات القانونية بحجة أنها ورقة الضغط الأخيرة التي ينتهجها العمال لتحسين ظروفهم المادية، مشيراً إلى أنّ الطبقة الشغيلة تدهورت وضعيتها بشكل كبير عقب الثورة رغم ما قدموه من تضحيات ومثابرة، وفق قوله.
وقال أيضاً إن اتحاد الشغل عبر عن استعداده للدخول في هدنة اجتماعية مع الحكومة ومنظمة إرباب الأعمال، لكنه شدد على ضرورة أن تكون تلك الهدنة مبنية على أسس صحيحة بشكل يضمن تقاسم الأعباء بين العمال وأصحاب العمل ويحقق العدالة الاجتماعية.
ورفع منذ أيام خلال الاحتفال بالذكرى السنوية لعيد العمال العالمي مئات المتظاهرين في تونس شعارات تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية وعدم تجريم الاحتجاجات والإضرابات العمالية، مطالبين من الحكومة الحالية الإسراع في تحسين الوضع وتلبية مطالبهم.
وفي ظلّ تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد ظهرت موجة من الاستياء العارم من أداء الحكومة الحالية بقيادة الحبيب الصيد التي مسكت السلطة منذ ثلاثة أشهر غير أن أداءها بات محلّ انعدام ثقة لدى الكثير من السياسيين بسبب ضعف إجراءاتها.
وقد عبّر القيادي في الحزب الجمهوري عصام الشابي عن انشغاله من ضعف أداء حكومة الصيد التي قال إن أداءها كان مهزوز للغاية وزاد من تعميق بؤر التوتر الاجتماعي والاضرابات في البلاد، منتقداً قيام الحكومة باتخاذ إجراءات "يمكن أن تعيد البلاد لما قبل الثورة".
ويقول لمصر العربية إنّ مظاهر الدولة البوليسية قد عادت من جديد في البلاد من خلال قمع بعض الاحتجاجات في المناطق الفقيرة ومن خلال الحد من حرية التعبير والتضييق من حرية التنقل وغيرها، لافتاً إلى أنّ التضييق على الحريات سيصب الزيت على النار في البلاد.
وانتقد الشابي عدم إسراع الحكومة الحالية في اتخاذ إجراءات عملية سريعة للحد من البطالة ودفع التنمية والاستثمار خاصة في المناطق المحرومة، معرباً عن انشغاله من توسع دائرة الاحتجاجات في البلاد بشكل يزيد من انهيار الوضع الاقتصادي وتأزيم المناخ الاستثمار.
من جانبه قال الأمين العام لحزب المؤتمر عماد الدائمي إن أداء حكومة الصيد منذ تسلمها الحكم لم يرق لتطلعات التونسيين ليس من حيث النتائج في تحقيق إنجازات بوقت قصير ولكن أيضا من حيث تقديم إشارات تطمئن الرأي العام بإمكانية التحكم في الأوضاع المتردية.
ويضيف لمصر العربية بأنّ "الإشارات التي أعطتها الحكومة في المدة الأخيرة كانت إشارات عكسية تدل على وجود حالة ضعف وارتباك وتردد وغياب رؤية واضحة وبرنامج عملي قادر على التطبيق يضمن القدرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية المتدهور".
مصر العربية
0 التعليقات:
Post a Comment