التسريبات التي تكشف مخطط الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي تمثل مشكلة لأوباما، حيث تظهر أن المخطط هو "انقلاب" صريح، ما يجعل فكرة استئناف المساعدات الأمريكية في مصر مرفوضة وفقا لما يقره القانون الأمريكي.
هذا ما خلص إليه موقع "ديلي بيست" الأمريكي في تقريره تحت عنوان "تسريبات مخطط اﻻنقلاب على مرسي" معضلة لأوباما.
وإلى نص التقرير:
منذ الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، تحاول الإدارة الأمريكية تجنب وصف ما حدث بأنه "انقلاب" وبالرغم من صعوبة ذلك اﻵن، لكنها لا تزال تحاول.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تتصرف حفنة من المتآمرين العسكريين عندما تعلم أن الرئيس المنتخب الذي أطاحوا به ربما يصبح حرا طليقا لأنه لم يضعوه في السجن بشكل قانوني؟
الإجابة هي أنه إذا كنت ضمن هؤلاء المتآمرين الذين أطاحوا بالرئيس المصري عام 2013، فستشرع في سلسلة من الاجتماعات والمحادثات الهاتفية وتصل قريبا لحل يعتمد على "التزوير" حتى تضمن أن احتجاز مرسي قانوني وأن المنطقة المحتجز بها هي سجن قانوني.
ويتفاخر عضو بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية حيث يقول "التزوير، نقوم به طوال الوقت، ونحن جيدون للغاية في ذلك الأمر".. وربما يكون قال الكلام نفسه عن التعذيب.
لكن ما لم يدركه هو أو زملاؤه، هو أن كلماتهم كانت مسجلة سرا وظهرت أشرطة لمحادثات مزعومة لهم إلى العالم الخارجي، وتتضمن قائمة المتآمرين مساعد وزير الدفاع ممدوح شاهين واللواء عباس كامل مدير مكتب عبدالفتاح السيسي، القائد العسكري الأعلى الذي يعتبر العقل المدبر للانقلاب، والذي يشغل منصب رئيس مصر حاليا.
مرسي، الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، التي أوصلته للفوز في الانتخابات في أعقاب انتفاضة الربيع العربي عام 2011، أدين الشهر الماضي بإصدار الأوامر باعتقال وتعذيب المتظاهرين أثناء الاضطرابات التي سبقت الانقلاب، حيث أصدرت محكمة الجنايات المصرية حكما الشهر الماضي بحبسه 20 عاما، لكن محاميه قدموا استئنافا على الحكم.
وتم التحقق من صحة الأشرطة السرية، بناء على طلب محامي مرسي، من قبل مختبر "جيه بي فرينش أسوشييتس" وهو أكبر المختبرات المتخصصة في التحليل الشرعي للأصوات بلندن، وفقا لما ذكرته صحيفة الجارديان، غير أن الحكومة المصرية تنفي ما خلص إليه المختبر، وترفض تلك التسجيلات وتصفها بأنها "افتراءات".
وإذا ثبتت صحة تلك الأشرطة، فإنها تثير أسئلة محرجة للرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري تحديدا، فبجانب تزوير دعوى قضائية ضد مرسي، توضح الأشرطة دور الحكم العسكري في التحريض على الاحتجاجات الشعبية التي يستخدمها السيسي في تبريره للإطاحة بمرسي، ما يقوض يضعف تأكيد الجيش أنه استولى على السلطة كجزء من ثورة "شعبية" وليس "انقلابا".
القانون الأمريكي يحظر توريد معدات عسكرية متطورة لحكومة استولت على السلطة بانقلاب، ما دفع أوباما لتجميد المساعدات الأمريكية لمصر فورا في أعقاب الإطاحة بمرسي لكنه عدل عن قراره أواخر مارس الماضي.
ففي مكالمة هاتفية دارت بينه وبين نظيره المصري عبدالفتاح السيسي في 31 من مارس الماضي، أعلمه أوباما أن بلاده سترسل 47 مليون دولار مساعدات على شكل مقاتلات "إف 16" و "صواريخ هاربوون" وأسلحة أخرى ما يحصن دور مصر كثاني أكبر مستورد للمساعدات الأمريكية بعد إسرائيل.
أما كيري فقد أغدق الثناء على السيسي خلال زيارة الأول لمصر في 13 من مارس الماضي، مؤكدا أن الرئيس المصري الجديد يستحق الإشادة الكبيرة لعمله على تحسين مناخ الأعمال الأساسية.
ووجه "ديلي بيست" سؤالا للمتحدثة باسم لجنة الأمن القومي برناديت ميهان إذا كانت إدارة أوباما لديها شكوك حول مصداقية التسجيلات ، وإن لم يكن لديها، كيف بررت استئناف المساعدات العسكرية لمسؤولين عن انقلاب عسكري صريح، لكن ميهان أحالت تلك الأسئلة للخارجية الأمريكية التي رفضت بدورها الرد.
أما بالنسبة لاستئناف المساعدات، استشهدت ميهان ببيان صدر عن البيت الابيض بعد المكالمة الهاتفية بين السيسي وأوباما حيث قال الأخير "إن المساعدات تترك البلدين في وضع أفضل لمواجهة التحديات المشتركة للمصالح المصرية والأمريكية في منطقة غير مستقرة" حتى وإن أكد مجددا قلقه حول استمرار سجن النشطاء والمحاكمات الجماعية.
المشكلة في سجن مرسي كانت قانونية، حيث تظهر التسجيلات ممدوح شاهين يتحدث إلى وزير الداخلية المصري السابق محمد إبراهيم ويقول إن النائب العام قلق حيال ذلك الأمر، حيث إن الأيام الأولى لما بعد الانقلاب واحتجاز مرسي، كان مكان احتجازه سريا، لكن يبدو أنه كان محتجزا في سجن عسكري وليس مدني.
ذلك الأمر غير قانوني، وهو ما كان يخشاه النائب العام، ما يعني أنه قد يفسد القضية برمتها ضد مرسي، وكما رأينا في محاكمات مبارك التي على ما يبدو أنه لا نهاية لها، فإن سير العدالة في مصر بطئ للغاية.
ويُزعم أن شاهين وإبراهيم وكامل قرروا تحويل السجن من عسكري إلى مدني، حيث كان يقع داخل منشأة تابعة للقوات البحرية، لذا فهناك حاجة لطريق جديد وجدران تحيط به لجعله يبدو وكأنه منشأة منفصلة، ولتأكيد ذلك وافق المسؤولون على جلب مراتب قديمة وصحف من المكان الذي كان يُزعم أن مرسي محبوسا به.
أما كامل الذي يبدو وأن كان يتلقى أوامر مباشرة من السيسي، فيظهر خلال المكالمة وهو يخبر قائد القوات البحرية أسامة الجندي بما يلي: "بلغوه مهما تتكلف واخد بال سيادتك مهما تتكلف ويعمل حاجة مضبوطة".
ولجعل ذلك السجن "مدنيا"، قرر العسكريون إلحاق (غرفة للتعذيب) به ويقول كامل لشاهين خلال المكالمة: "وهنعمل هناك حتت ضرب يبان عليها إما حد يكشف إن دي حتة تعذيب".. وينهي عباس كلامه بضحكة مكتومة منخفضة.
الأمر الأكثر ضررا من وجهة نظر القانون الأمريكي، هو تسجيل آخر يوضح أن الجيش المصري ساعد على تمويل الاضطرابات التي تم استغلالها لتبرير الإطاحة مرسي، ووفقا لصحيفة الجارديان، فإن كامل حصل على إذن بسحب مبلغ كبير من المال لصالح الجيش من الحساب المصرفي لحركة "تمرد" الحركة الشعبية المستقلة التي يُزعم تنظيمها لاحتجاجات ضد مرسي.
حكومة الإمارات العربية المتحدة هي من مولت حركة تمرد بالمال حيث يظهر خلال تسجيل عباس كامل وهو يتحدث إلى صدقي صبحي أحد مساعدي السيسي إبان شغله منصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة المصرية قائلا: "يا فندم، إحنا حنحتاج 200 بكرة من حساب تمرد، انت عارف سيادتك اللي هو الجزء بتاع الإمارات اللي حولوه".
وعلى الرغم من أن تلك الأشرطة لم تلفت انتباه أحد في واشنطن، فوجودها معروف للجميع، بما في ذلك من هم داخل مصر، وبدأ ظهورها نوفمبر الماضي من قناة "مكملين" ومقرها تركيا، وسارع مؤيدو السيسي للتكذيب في صحتها نظرا لتعاطف القناة مع الإسلاميين.
لكن وفقا لرواية مراسل الجارديان في مصر باتريك كينجسلي، فإن مختبر "جيه بي فرينش أسوشييتس"، خلص إلى أنه الأشرطة لم تكن حقيقية فحسب بل وأن الأصوات التي تحتويها هي فعليا لمسؤولين أمنيين كبار ولا يوجد أي شبهة فبركة أو تزوير بها.
وإذا ثبتت صحة تلك الأشرطة، فثمة أسئلة المثيرة للاهتمام تطرح نفسها، فمن نجح في تسجيل تلك المحادثات دون حراسة وداخل مكتب أحد أقرب مستشاري الرئيس السيسي؟ و ما الأشياء التي ربما تكشف عنها أشرطة أخرى؟ ومتى سيطلب السلك الصحفي بواشنطن إجابات من إدارة أوباما حول تأييدها الواضح لنظام يتباهى مسؤولوه بالتزوير ويسخرون من التعذيب؟
مصر العربية
0 التعليقات:
Post a Comment