مصر تبدأ من جديد" عنوان اختاره الإسرائيلي"يعقوب بن أفرات" لمقال تطرق فيه لظروف ميلاد حركة "بداية" المصرية التي قال إنها تشبه إلى حد كبير حركة" كفاية" التي أطلقت الشرارة الأولى لثورة يناير وسقوط نظام مبارك. معتبرا أن ظهور الحركة الجديدة جاء نتيجة لشروخ في الجبهة الواسعة التي أيدت "الانقلاب" على حد وصفه.

واعتبر "بن أفرات" وهو الأمين العام لحزب دعم العمالي في إسرائيل، أن الممارسات "القمعية" لنظام السيسي تخطت كل الخطوط الحمراء، وأن الانقسام بين الإخوان المسلمين وبين الشباب الليبرالي هو ما سمح للسيسي بـ"الانقلاب" على لثورة. وخلص في مقاله المنشور على موقع الحزب إلى أن مستقبل مصر مرهون بالاتحاد بين الحركة الإسلامية وبين شباب الثورة.




إلى نص المقال..

"يرفضون وجودنا لأننا نرفض ظلمهم"- كان هذا منشور ظهر اليوم على صفحة الفيس بوك الخاصة بـ"بداية"، حركة جديدة هدفها تغيير النظام المصري القائم، وبكلمات أخرى، إسقاط السيسي والعودة لنظام ديموقراطي. وتعيد "بداية" إلى الأذهان "كفاية" تلك الحركة التي قامت خلال حكم حسني مباركـ، وكانت الشرارة الأولى للربيع المصري ونهاية النظام الذي حكم 40 عاما.


”بداية" هي النقيض التام لحركة "تمرد" التي نظمت التظاهرات الحاشدة تلك التي نجحت في إسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي في 30 يونيو 2013. في ذلك الوقت تم تصوير التظاهرة المليونية التي أسقطت مرسي كاستكمال وإصلاح لثورة 25 يناير، بدعوى أن الإخوان المسلمين "خطفوا" الثورة من أجل السيطرة على مصر.


من المعروف الآن أن حركة "تمرد" لم تكن حركة شبابية بريئة، لكن عمل من خلفها ذراع الجيش المصري الذي ضم إمبراطور الإعلام نجيب ساويرس، وتمتعت بتمويل سعودي. غني عن الذكر أن السعودية وضعت لنفسها هدف هو إسقاط نظام الإخوان المسلمين عبر انقلاب عسكري، يتم تصويره على أنه ثورة شعبية.




منذ ذلك الوقت تدفق الكثير من المياه في النيل، واتضحت الصورة كاملة. في 3 يوليو 2013 أطاح الجنرال السيسي بمرسي، أول رئيس مصري منتخب عبر انتخابات ديموقراطية، ومنذ ذلك الوقت يحكم بيد من حديد، ويعيد النظام القديم بكامل هيئته.


تحول الإخوان المسلمين وحزبهم بين عشية وضحاها لإرهابيين، زُج بالآلاف في السجون، أغلقت الصحف والقنوات التلفزيونية، وسار الإعلام المصري في ركب النظام بشكل كامل. أي انتقاد للسيسي أصبح على الفور تأييدا للإرهاب والإخوان المسلمين، وأي ناشط سياسي معارض للنظام، حتى إن كان بعيدا عن الإخوان المسلمين بعد الشرق عن الغرب، يُزج به في غياهب السجن لسنوات طوال.

في يوم الانقلاب عرض الجنرال السيسي خارطة طريق لإعادة الديموقراطية لمصر. كانت الخطة تعتمد على خطوتين رئيسيتين: أولا انتخابات عامة للبرلمان، بعد ذلك انتخابات رئاسية. من الأمور الهامة أن البرلمان ينبغي أن يكون مصدر السلطات في مصر وليس الرئيس. السيسي قرر بالطبع تقديم انتخابات الرئاسة، وإجراء انتخابات البرلمان بعد ذلك. وقد نفذ فقط نصف الخطة. وحيث أن الانتخابات الرئاسية قد أجريت في ظل غياب مرشح يحظى بفرص حقيقية، فقد فاز الجنرال بـ 97% من الأصوات.


تأجلت الانتخابات البرلمانية لسبب بسيط- ليس للجنرال حزب. هكذا بقيت الأحزاب الكثيرة التي دعم معظمها الانقلاب العسكري بلا عمل. مصر تدار على يد جنرال "منتخب" يحكم في ضوء غياب برلمان عبر أوامر . أحد أوامره الصارمة هو قانون التظاهر، الذي يمنع بالفعل تظاهرات الشارع. بفضله زج بآلاف الناشطين السياسيين إلى السجن، أشهرهم أحمد ماهر، زعيم حركة "6 إبريل".


توقيت ظهور حركة "بداية" الجديدة لم يأت مصادفة. فبعد عام على انتخاب الجنرال السيسي، وفي ظل غياب انتخابات برلمانية، ظهرت شروخ في الجبهة الواسعة التي أيدت الانقلاب، تلك الجبهة التي ضمت مجموعة واسعة من الأحزاب- من اليسار والليبراليين وصولا للسلفيين.


المحاكمات الصورية للإخوان المسلمين، وعلى رأسهم الرئيس المنتخب محمد مرسي، تخطت الحدود. العبثية أنه في الوقت الذي قضت فيه المحكمة المصرية بالإعدام على مرسي معتمدة على اتهامات واهية كالهروب من السجن أثناء الثورة والتخابر لصالح حماس، فإن حسني مبارك ونجليه قد جرى تبرئتهم من كل التهم. إعادة تأهيل مبارك والسهولة التي يحكمون فيها بالإعدام على الأبرياء لم تترك مجالا للشك في أن النظام القديم حي يرزق.

لإزالة أي شك، جاءت قضية وزير العدل، الذي قال لسوء حظه إن " ابن الزبال لا يمكن أن يصبح قاضيا"، ما أثار الرأي العام المصري. سارع السيسي للاستجابة لمطلب إقالة وزير عدله، الذي فشلت كل اعتذراته وتفسيراته، هنا جاءت اللدغة التي تركت المصريين فاغري أفواهم- فقد عين السيسي في المنصب أحمد الزند، القاضي المحسوب أكثر من أي أحد آخر على نظام مبارك، والذي لم يخش الإعراب عن احتقاره علانية لثورة 25 يناير.




الرسالة واضحة: من الأفضل أن ينسى الشعب المصري الثورة، ويبدأ العد من جديد في 3 يوليو 2013، يوم الانقلاب العسكري للسيسي، الذي اصبح اليوم رمزا في تاريخ مصر الحديث.




لكن نظام السيسي لا يشبه نظام مبارك. أولا، ليس للسيسي جهاز حزبي يتحكم في مراكز القوة للبلاد. ثانيا، تغير الواقع المصري تماما منذ إسقاط النظام القديم. لذلك يفتقر السيسي المرونة السياسية التي تمتع بها مبارك، وهو يمارس الرعب والإرهاب بواسطة المحاكم المدنية والعسكرية الخاضعة له.




هذا الوضع يثير ضده المجتمع المدني وجزء لا يستهان به من الأحزاب، تحديدا تلك التي تشكلت بعد الثورة، وتحظى بتأييد شعبي. السيسي يخشى الانتخابات، لأنه من الواضح أن البرلمان سيتحول لمركز قوة هام له صلاحيات ليس فقط لتشكيل حكومة، بل لانتقاد الرئيس نفسه. في ضوء ضعفه السياسي وفقدان مصداقيته فإنه مهتم بتجميد الوضع كما هو.




مصر بالفعل تواجه نوعا من الحرب الأهلية، يتعامل فيها النظام بقمع مفرط من اجل البقاء. حتى روابط مشجعي كرة القدم "الأولتراس" تم حظرها; وأعدم ستة شبان دون علم ذويهم، بتهم مفبركة حول مشاركتهم في قتل شرطي في القضية المعروفة باسم "عرب شركس".




في 14 مايو هذا العام، قضى في السجن الطبيب فريد إسماعيل، عضو برلمان من قبل الإخوان المسلمين، وفي 25 مايو مات عضو برلمان آخر، محمد الفلاحجي، مات كلاهما بسبب الإهمال الطبي. وفقا لمصادر الإخوان المسلمين، وصل عدد من لقوا حتفهم في السجون المصرية إلى 265 منذ الانقلاب. وبينما يموت المنتخبون من الشعب في السجون ويذهب رئيس منتخب إلى المشنقة، يتصاعد الظلم لعنان السماء، ومنذ أن خرجوا للشوارع حاملين شعارات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" لم يعد بإمكانهم مواصلة الصمت.




هذا هو الواقع الصعب الذي نبتت فيه "بداية" التي لا يمكنها الاستمرار في التغطية على أكاذيب النظام. وفي حين يحاول النظام أن يُنسي ثورة 25 يناير وأن يغرس مكانها يوم الانقلاب العسكري كحدث أيقونة في تاريخ مصر، تقول "بداية" العكس: انقلاب السيسي شوه إرادة الشعب، نريد العودة للمصدر، لنفس الثورة العظيمة التي غيرت وجه الشرق الأوسط بكامله. وتحظى "بداية" بتأييد شخصيات رئيسية، مثل عمرو حمزاوي وعلاء الأسواني، وترفض تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية. وبذلك تمثل تهديدا على نظام السيسي.




الانقسام بين الإخوان المسلمين وبين الشباب الليبرالي هو ما سمح للسيسي بالانقلاب ضد الثورة ولصالح النظام القديم. كان الإخوان المسلمون أول من تحالفوا مع الجنرال طنطاوي ضد شباب الثورة والليبراليين. بعدهم انضم الشباب للجيش لإسقاط الرئيس المنتخب مرسي، وجلبوا بذلك كارثة على مصر. اليوم وعندما يتم الزج بالآلاف من الشباب الثوري إلى السجن وإلى غرف التعذيب باسم الحرب على الإرهاب، جنبا إلى جنب مع ناشطي الإخوان المسلمين، فإن جبهة موحدة ضد النظام تتشكل.

تطالب "بداية" بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، بما في ذلك أيضا أعضاء الإخوان المسلمين. مستقبل مصر مرهون بالاتحاد بين الحركة الإسلامية وبين شباب الثورة. اندلع الربيع العربي في تونس، وفي تونس اليوم إسلاميون وعلمانيون يقيمون نظام ديموقراطي دون إكراه ديني، ودون تمييز على أساس الجنس، أو العرق أو الرأي. بذلك تُظهر تونس مهد الربيع العربي للعالم العربي الطريق للديموقراطية، وعلى مصر أن تسير على دربها.


الكاتب: يعقوب بن أفرات - شخصية سياسية يسارية في إسرائيل، والأمين العام لحزب دعم العمالي، الذي يناهض الاحتلال ويدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ويؤيد ربيع الثورات العربية، وهو من مؤسسيه والمبادرين لتأسيس نقابة معًا العمالية. 



مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -