فارق كبير بين أن تكون ثائراً وبين أن تكون ثورجياً وبين أن تكون بلطجياً؛ الثائر ثار وضحى ويضحى من أجل مجتمع أكثر عدالة وأكثر حرية وأكثر مساواة، وهؤلاء مخلصون لا يريدون جزاء ولا شكوراً.
أما الثورجى فله غرض شخصى لأنه كان يريد شيئاً ولم يحصل عليه، أو أنه لا يرى ذاته فى أن يعيش فى الظل. وما يجعله فى النور هو أن يظل الفعل الثورى مشتعلاً بالحق أو بالباطل، حتى إن لم يوجد من يستحق أن نثور ضده (بعد).
أما البلطجى، فهو ليس ثائراً أصلاً، هو «أجير عنف» مستعد أن يسرق وأن يقتل وأن يحرق لصالح من يدفع أكثر. البلطجى فى ميدان التحرير يفعل ما يفعله البلطجى على الطريق الدائرى أو فى المناطق النائية: تحويل فائض العنف إلى عائد منافع له مقابل مادى يحصل عليه، وكأنه مقاول دماء.
ولكن المشكلة أن بعض إخواننا الثورجية يعتبرون أن أى فعل جماعى معارض للسلطة بحق أو بدون حق هو عمل شريف ونبيل مهما أريقت فيه الدماء أو تكبد فيه المجتمع الخسائر، هم يتحدثون عن حقوق الفقراء ولا يعلمون أنهم يوقفون قدرة المجتمع على أن يقف على قدميه من جديد ليبدأ فى الحركة من أجل مستقبل أفضل للجميع بمن فيهم الفقراء.
الثائرون يعرفون متى يعارضون ومن يعارضون وكيف يعارضون: يعارضون حين يكون عائد المعارضة أكبر من خسائرها، يعارضون الاستبداد وليس السلطة، يعارضون سلمياً وليس بالطوب والمولوتوف.
الثورجية يعارضون من أجل المعارضة، ويعتبرون أن التريقة والسخرية والشتيمة والسباب فى المنتديات الإنترنتية الوقود الذى ينبغى أن يتحول إلى طاقة غضب مع اشتعال أول عود ثقاب.
البلطجية هم عود الثقاب القادر على أن يحرق ويحترق وكأنهم يدافعون عن قضية حق.
هى حالات أربع: أن نفعل الصح بطريقة صحيحة (النجاح فى الامتحان بدون غش)، أو أن نفعل الصح بطريقة غير صحيحة (أن ننجح فى الامتحان بالغش)، أو أن نفعل الخطأ بطريقة صحيحة (سرقة بنك ناجحة) أو أن نفعل الخطأ بطريقة خطأ (سرقة تنتهى بالقبض على القائمين بها).
أزعم أننا مبدعون فى الثانية والثالثة بأن نخلط الحق بالباطل والصواب بالخطأ، فلا تعرف كيف تقول لشخص ما أنا متعاطف مع قضيتك ولكننى رافض لطريقتك، لأنه لا يقبل هذا التفكير المركب. هو يريدك إما معه تماماً، حقاً كان أو باطلاً، أو ضده تماماً. وهذا من تمام الانهيار الفكرى الذى نعيشه، حيث البشر إما أن يفهموا (فيدخلوا علمى رياضة)، أو يحفظوا (فيدخلوا أدبى)، مع أن الحفظ والفهم خاصيتان بشريتان تجتمعان عند كل البشر بالضرورة، لكن فى مصر الإنسان إما أن يفهم أو يحفظ، إما إخوانى أو علمانى، إما أهلاوى أو زملكاوى، إما عبقرى أو حمار، إما موالٍ للنادى الذى أشجعه وبالتالى يشتم معى مشجعى الأندية الأخرى بالأب والأم وبسب الدين، أو مشجع للنادى المنافس فلا بد من أن يسب بأسوأ الألفاظ.
وبما أن البلطجية يضربون فى الشرطة فهم من وجهة نظر الثورجية طليعة العمل الثورى الذين لا بد أن ندعمهم بالمال وقنابل المولوتوف حتى يقضوا تماماً على جهاز الشرطة، وصولاً إلى دولة بدون شرطة، وساعتها لا أعرف ما البديل.
هناك إصلاحات كثيرة مطلوبة فى جهاز الشرطة وفى الكثير من أجهزة الدولة، لكن هذه مسألة تحتاج دراسة وتخطيطاً قبل اتخاذ أى قرارات. وليس من المنطق فى شىء أن يكون البديل المتاح أمامنا كلما اختلفنا أن نلجأ للعنف إلا إذا كان هذا ليس عنف ثوار، وإنما عنف ثورجية يريدون خصخصة الثورة، أو بلطجية يريدون تدميرها.
ليس غريبا دس السم في العسل لمن عينه الطنطاوي مستشارا
ReplyDelete