فى شهر مايو الماضى كنت بصحبة الزميل النقابى المحترم الأستاذ يحيى قلاش نتحدث فى ساقية الصاوى بمناسبة اليوم العالمى لحرية الصحافة، ومن ضمن ما قلته فى هذه الندوة ما يلى «طالبت الثورة المصرية بإلغاء «المجلس الأعلى للصحافة» الذى يمثل وسيلة لتكميم الإعلام لتظل الصحافة خادمة فى بلاط هذا الحاكم أيا كان، أو أن يصبح هيئة مستقلة دورها حماية حريات الصحافة كما يحدث فى الدول المتقدمة».
وحسب ما أتابعه على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية فقد ورد اسمى ضمن التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للصحافة الذى أقره مجلس الشورى مؤخرا، وحتى كتابة هذه السطور لم يتصل بى أحد ليبلغنى بهذا الاختيار، لا رسميا ولا وديا، الأمر الذى يجعلنى أتصور أحيانا أن المسألة ربما كانت تشابه أسماء.
غير أن ذلك لم يمنعنى من متابعة ردود الأفعال والتعليقات على هذا التشكيل، وكلها من أسف تترك جوهر الموضوع، وتمسك بالأسماء، ذلك أن المشكلة ليست فى أسماء مثل نادر بكار أو زيد أو عمرو أو وائل كأعضاء فى المجلس، بقدر ما هى فى بنية المجلس المؤسسية ووجوده من الأصل.
ولا يجادل أحد فى أن سمعة المجلس الأعلى للصحافة لم تكن على ما يرام طوال الفترة التى جفف فيها نظام مبارك كل شىء وحول مؤسسات الدولة إلى كيانات مشوهة بلا دور أو وظيفة حقيقية، وصارت أشبه بمتنزهات لمن يرضى عنهم النظام أو تدجين وترويض من لا يرضى عنهم.
وأزعم أن التحدى الكبير الذى يواجه المجلس الأعلى للصحافة الآن، سواء كنت ضمن قائمة أعضائه أم خارجها، هو أن يظهر قدرا من الاستقلالية عن السلطة التى عينته، وهذا لن يحدث إلا إذا امتلك أعضاؤه الإرادة اللازمة لكى يتحرر المجلس من ربقة السلطة، ويصير مجلسا معنيا بالتصدى لمشاكل وهموم المهنة، انطلاقا من أجندة المشتغلين بمهنة الصحافة أنفسهم، وليس تنفيذا لروزنامة السلطة الحاكمة، بحيث يكون المجلس قناة لتزويد الصحافة المصرية بما يلزم لإنعاشها واستعادة احترامها لذاتها واحترام الجماهير لها، وليس جسرا لعبور القوات النظامية للهيمنة والسيطرة والتحكم فى مهنة لا تقل أهمية ومهابة عن مهنة القضاء.. والأمل أن يصبح مجلسا أعلى لصحافة الشعب، لا صحافة السلطة.
وكان حريا بالمنتفضين غضبا ضد تشكيل المجلس، والمناضلين ضد وجود أسماء لا يجدون فيها الجدارة لأن تمثل العاملين بالصحافة أن يدخروا نضالهم لإصلاح بنية وفلسفة وجود المجلس الأعلى للصحافة، كأن يكون المطلب مثلا أن يتشكل بالكامل أو فى معظمه عن طريق الانتخاب، وألا يكون رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارة المعينين ضمن تشكيله، بحيث لا يكون المجلس خصما وحكما فى الوقت ذاته، أو أن تكون الاعتبارات مهنية خالصة بعيدا عن المواءمات السياسية، إلا أن الانتقادات فى معظمها ركزت على الأسماء والأشخاص.
وقد كان من الممكن أن يختار كاتب هذه السطور أن ينأى بنفسه عن هذا المجلس ــ لو صح أننى قد وقع على الاختيار رسميا ــ لولا أن اعتراضات المعترضين ونوعياتهم اشتملت على مساخر حقيقية، كأن يقول كتاب ومثقفون سمنتهم حظيرة نظام مبارك حتى الانفجار إن التشكيل الجديد أبعد الأصوات المعارضة عن المجلس! أو أن يقول نفر من مثقفى «كفر الهنادوة» الذين أمضوا عمرهم تحت ظلال أشجار الحظيرة إن ما حدث هو «أخونة للمجلس» على طريقة نظام مبارك الذى هم صنائعه وأنفاره.
ولهؤلاء المنتفخين كل الشكر لأنهم ساعدونى كثيرا على حسم موقفى من المشاركة فى المجلس، بالمنطق ذاته الذى جعل المناضل الحقوقى الكبير أحمد سيف الإسلام عضوا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان.
0 التعليقات:
Post a Comment