قرأت خبراً مثيراً يتعلق بمسألة فقهية معقدة، كما يتعلق بقضية وطنية شغلت العالم العربى منذ نشأتها ولا تزال، كما اجتذبت اهتمام دول الهيمنة الغربية إلى المنطقة للنظر فى مآل تلك القضية، فإن نشأ الفراغ الذى تعجز الأمة عن ملئه، ستكون الحاجة قائمة إليهم وإلى مساعدتهم التى تدخل فى إطار الاحتلال، مهما كانت تبريرات الذين دعوهم أو سمحوا لهم بدخول بلادنا.
وسط الأزمات الكبيرة التى ما زالت تجتاح الأمة العربية والإسلامية، وتبعدها عن الصدارة والريادة على الساحة العالمية، ووسط التحديات الكثيرة المعقدة على المستوى الوطنى والإقليمى، التى لا تدع هامشاً كبيراً للتنمية والتقدم، وسط كل ذلك تقع بعض الوقائع التى تستدعى النظر الدقيق إليها، حتى لا تجتذب معها، تحديات جديدة تثقل كاهل الأمة، وليس هناك مزيد من طاقة لتحملها أو علاجها، ولهذا كانت معالجة القضية.
أقول هذه المقدمة المزعجة لبعضنا، بعد أن قرأت فى جريدة التحرير وغيرها من وسائل الإعلام، يوم الثلاثاء 4 سبتمبر 2012، أن «حازمون تدعو للجهاد فى سوريا، وتزف إلى المصريين أوائل شهدائها الذين لبوا الدعوة». وقد دعت هذه الحركة إلى الجهاد فى سوريا لنصرة إخوانهم، ومناصرة الثورة فى سوريا ضد النظام البعثى الفاسد فيها، الذى يرتكب من الجرائم ما يندى له الجبين العربى والإسلامى والإنسانى على حد سواء. الحركة تدعو إلى الجهاد تحت شعارات عدة منها «يا خيل الله اركبى، حى على الجهاد، اللهم إنا مغلوبون فانتصر». وجميل جداً أن نرى الشباب المصرى يقدم على التضحية بدمه وروحه فداء للأهداف العزيزة وفى مقدمتها الجهاد.
ذكّرتنى الأخبار التى قرأتها فى جريدة التحرير عن استشهاد الشباب المصرى مثل مصطفى ممدوح فودة ومحمد أكرم فى معارك خاضوها مع الجيش الحر فى سوريا ضد النظام الفاسد بما حدث من جهاد عظيم فى أفغانستان، ونتيجته التى لم يتوقعها إلا أقل القليل. والفرق الأساسى بين الصورتين هو أن الجهاد الأفغانى العظيم كان ضد القوات السوفياتية الغازية لأفغانستان، أما القتال فى سوريا فبين نظام سورى بعثى فاسد، وبين شباب ثورة يجاهدون ضد الظلم وحدهم أو بدعم من الجيش الحر.
خطورة مشاركة غير السوريين فى الجهاد ضد النظام الفاسد، تتمثل فى مجموعة من النقاط من أهمها، أن المشاركة من جانب «حازمون» وغيرهم قد تكون مبرراً لمشاركة آخرين من غير السوريين إلى جانب النظام الفاسد، وهكذا تكبر القضية وتمتد خارجياً على الساحة الإقليمية فالعالمية. والأولى فى ظنى محاصرة هذا الصراع. ويكفى أن يشارك شباب«حازمون» وغيرهم فى نواحى الإغاثة وهى كثيرة. هناك عدة أسئلة نوجهها إلى هذا الشباب تتعلق بالجهاد وآدابه وتتعلق بالأولويات. ذهب بعض هؤلاء إلى الساحة السورية دون الحصول على موافقة أو رضاء الوالدين، وقد يكونا أو أحدهما فى حاجة ماسة إليه، إذ إن الجهاد هنا ليس فرض عين. وقد قرأت تعليق والد الشهيد عبدالله سعيد، على تدويناته قائلاً لابنه وهو يناشده: «عُد رفقاً بوالديك إن كنت تطمع فى رضا ربك. أهكذا يكون الجزاء يا عبدالله؟ أهكذا يكون حق الوداع؟».
وهناك أسئلة أخرى منها: لماذا لم يشارك هذا الشباب فى دعم حماس أو حزب الله فى جهادهما ضد الاحتلال الصهيونى لفلسطين، وأيهما أولى وأهم؟ تحرير فلسطين من الصهاينة أم سوريا من بشار الأسد وكلاهما مطلوب. هذا هو السؤال الأول. أما السؤال الثانى فلماذا لم يتجه هؤلاء الشباب إلى تحرير بقية بلادنا، وخصوصاً الخليج، من الوجود بل الاحتلال الأمريكى والقواعد الأمريكية العسكرية؟ وخصوصاً أن الشيخ الجليل القرضاوى قد أفتى بجواز أو ربما بوجوب الجهاد ضد الأمريكان فى الخليج عندما أشار فى كتابه فقه الجهاد فى الإسلام، إلى أنه سيكون أول من يجاهد ضد الأمريكان إذا بقى جندى واحد فى الخليج بعد صدام حسين وقد رحل الرجل منذ عدة سنوات.
الأمر الذى قد يكون مختلفاً فى الحالتين يتمثل فى أنه لن تكون هناك -إن شاء الله- قوانين سيئة مثل «العائدون من أفغانستان»أو «العائدون من ألبانيا» ولا محاكم عسكرية كما حدث فى أيام العهد البائد، ولكن عين أمريكا ستظل تراقب الأوضاع، وتعرف من شارك مع المجاهدين فى سوريا، وقد تفتح لهم جوانتانامو جديداً أو أبوغريب آخر، إلا إذا نهضت الأمة وهزمت أمريكا فى الشرق الأوسط، كما هزم المجاهدون الأفغان الاتحاد السوفياتى الرهيب فى أفغانستان.
والله الموفق.
0 التعليقات:
Post a Comment