«إن غبنا يملأ الساحة غيرنا» هى الكلمة المفتاحية التى قالها الدكتور محمد مرسى فى خطابه، أمس، فى الجامعة العربية. والحقيقة أنها تعكس توجها جديدا مناقضا تماما للتوجه الذى ساد فى آخر عشر سنين من عمر مصر.
التوجه الذى يمكن أن أقتبس عبارة منسوبة للمشير طنطاوى للتعبير عنه وهى: «لا تحرك حجرا يمكن أن يقع على قدمك». والمعنى المبطن فى هذه العبارة الأخيرة: كن قليل الفعل والقول والحركة. وبغض النظر عن صحة نسبة العبارة إلى المشير فإنها تفسر بالفعل الكثير من «اللافعل» الذى كانت عليه السياسة المصرية داخليا وخارجيا.
المهم أن الدكتور محمد مرسى يتبنى سياسات تتناقض تماما مع ما كان سائدا لسنوات. وهو يحرك عجلات قطار قد لا يكون مستعدا للحركة على قضبان اعتادت على اللاحركة واللافعل. لذا الحذر وكل الحذر.
ولهذا فإن المحيط الإقليمى يحتاج تطمينات مستمرة وحقيقية من أن الحركة والفعل لن يكونا فى اتجاه استعداء أى طرف خارجى لاسيما الحلفاء التقليديين فى الغرب وفى منطقة الخليج.
ورغما عن أن زيارة الدكتور مرسى لإيران كانت شكلا خارج السياق التقليدى لتوجهات السياسة الخارجية المصرية، فإنها مضمونا كانت معبرة عن الالتزام التام بخريطة التحالفات التقليدية بل وسعت لأن تكون أكثر التزاما بقيم الثورة المصرية من دعم الشعب السورى فى مواجهة «النظام القمعى» الذى يبيده دفاعا عن كرسيه.
وفى تقديرى أن فكرة تشكيل مجموعة رباعية تضم السعودية وتركيا وإيران ومصر للمساعدة فى حل الأزمة السورية ليست مجدية، ولكن المهم أن هناك مبادرة مصرية وأن قطار السياسة الخارجية المصرية قد بدأ فى التحرك.
ويفهم فى هذا الصدد التفصيل الذى استخدمه الدكتور مرسى فى خطابه أمام الجامعة العربية، وكأنه يريد أن يوصل رسائل محددة لكل طرف بما يعنى أن الرؤية المصرية لدورها فى المرحلة القادمة ستعتمد تماما على تحريك الملفات الثنائية فى إطار من سياسة متوازنة وراغبة فى أن تكون طرفا مباشرا فى قضايا المنطقة، بل ومبادرة لتحمل أعباء هذه السياسة.
وهذا هو موضع الخطر الأكبر لأن الكثير من مشاكل المنطقة انقسمت فيها الأطراف المختلفة بالفعل، ودخلت فيها فى علاقات صفرية يكون فيها مكاسب طرف هى خسائر الطرف الآخر. وسيكون الدور الأمثل لمصر هو دور الوسيط النزيه والمحرك البارع للأحداث دون أن يضيف إلى انقسامات المنطقة انقسامات أخرى. وحتى هذه الوساطة النزيهة لا ينبغى أن تكون مبالغة فى اللاحركة أو اللاموقف فيستوى العدو مع الصديق. وهنا يكون التزامنا بمعاهدة السلام مع إسرائيل غير مانع لدعم الشعب الفلسطينى لأقصى مدى، ويكون التزامنا بالعمل العربى المشترك غير مانع من التعاون مع دول العالم المختلفة وصولا إلى صيغة العمل من أجل مصالح مصر العليا.
أعتقد أن الدكتور مرسى يريد أن يقول إنه كان احتياطيا بالفعل، ولكنه يسعى لإحراز أهداف مثلما أشار ذات مرة إلى أحد اللاعبين الذى كان احتياطيا وكان السبب فى فوز فريقه.
0 التعليقات:
Post a Comment