الجمعية التأسيسية قامت على أسس «مصرية» وليست «علمية» والمقصود بذلك أنها جاءت لتعبر عن طبائع المصريين وخصائصهم وعلى رأسها التخوف الشديد من الآخرين.

الجمعية التأسيسية تبنت صيغة جمع المقترحات أولاً قبل التصويت عليها، كل مادة محتملة لها أكثر من صياغة فى أكثر من اتجاه. كان اقتراحى أن نكلف 10 أشخاص بكتابة الصيغة الأولى، ثم يتم النقاش حولها. رفضت هذه الفكرة من قبل بعض معارضى الإخوان والسلفيين اعتقاداً منهم أن هذه الصيغة الأولى غالباً ستكون «دستور الإخوان المزعوم» والأفضل أن نكتب كل حاجة من الأول بدون العودة إلى أى نص مسبق مهما كلفنا الأمر من زمن أو مجهود، وبدا هذا الاقتراح لدى البعض أكثر ديمقراطية؛ لكنه لا شك يفتح باب الفوضى فى الاقتراحات والأفكار لأنه لم يعد هناك إطار حاكم. وصلنا الآن إلى أنه لو جمعنا كل المواد المقترحة مع بعضها ستبدو وكأنها لا تعبر عن دستور واحد وإنما عدة دساتير متعارضة؛ بما فى ذلك من أفكار بعضها غير منطقى، ويقوم الإعلاميون والصحفيون بدورهم فى نقل ما يسمعون ويشاهدون ويقرأون إلى الرأى العام فضلاً عن تصريحات بعض أعضاء الجمعية المعبرة عن آرائهم الشخصية، ويظن الرأى العام أن هذه الأفكار ستُضمن فى الدستور بالفعل، على الرغم من أنها ليست إلا مجرد اقتراحات تحتاج موافقة ودعم عدد كبير من أعضاء الجمعية؛ وهو ما لم يحدث بعد.

الجمعية مليئة بالخبراء والأساتذة الذين يمكن لأى عدد قليل منهم أن يكتبوا الدستور على أن يناقشه الآخرون وأن يضيفوا وأن يحذفوا منه ما يشاءون، لكننا مثل 15 شخصاً يصلحون ساعة يد واحدة. لو ترك 14 منهم الفرصة لواحد فيهم، لقام بإصلاحها، ويقوم الآخرون بالتأكد من سلامة إجراءاته وما وصل إليه؛ لكن من هذا الشخص أو هؤلاء الذين سيكتبون المسودة الأولى للدستور فى بيئة بهذا الحجم من التشكك والاستقطاب والتخوف؟ وعلى مستوى شخصى، أكتشف أن أكبر خدمة يمكن أن أسديها للجمعية التأسيسية أن أكف أذاى عنها بأن أتوقف عن تعطيل الآخرين؛ لأن تغيير أحدنا لرأيه يأخذ جهداً جهيداً، ونادراً ما يقتنع أحدنا برأى آخر بسهولة ويكون الفيصل هو التصويت النهائى.

وكم كنت أتمنى أن نلتزم بموعد محدد من البداية، وقد اقترحت ذلك سراً وعلانية، للانتهاء من كتابته لأن اعتبار أن النقاشات فى ذاتها هى التى ستحدد الموعد النهائى هو رهان صعب، وهذا ما يطرح قضية أخرى وهى أن القضية فى بعض النقاشات ليست فى النصوص المكتوبة وإنما فى النفوس التى تتشكك فى كل اقتراح يأتى من آخر.

لاسيما أن معظم أصحاب الرأى لا يتعاملون مع الآخرين على أنهم أصحاب رأى يمكن أن يصيب وفيه احتمال حتى لو كان قليلاً من الخطأ، وعليه تجد أحياناً من يأتى وعنده وجهة نظر معينة، إما أن يلتزم بها الآخرون أو يهدد بالانسحاب، ويبدو الأمر أحياناً مثيراً للتأمل حين ينسحب أحدنا ويجرى الآخرون وراءه لمصالحته على أمل أنه فى مرحلة التصويت ستعرض كل الأفكار، والمجموع سيقرر. منهم من يصر على الانسحاب، ومنهم من ينتظر.

وحتى لو تم حل هذه الجمعية، فسيكون أمام الرئيس فرصة تعيين لجنة وطنية غير حزبية من عدد محدود من الخبراء ليستفيدوا ابتداءً من جهد الجمعية الكثير ولينجزوا العمل المطلوب خلال أسابيع قليلة، وما زلت عند رأيى بأنه من الأولى أن يكون دستورنا هذا مؤقتاً بعشر سنوات، وبعدها قد نعدله كاملاً أو جزئياً أو لا تعديل على الإطلاق.

إذن، نحن أمام مجهود لا بد من بذله، وجهاد لا بد من القيام به.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -