حينما أجريت حوارى التليفزيونى فى برنامج « بلاحدود» مع مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطنى الانتقالى الليبى فى شهر فبراير الماضى 2012، دعانى للعشاء بعد الحوار، فدخلنا إلى قاعة بها سجادة وعلى أطرافها فرش أرضى لا يرتفع عن الأرض أكثر من عشرة سنتيمترات، نادى حاكم ليبيا فى ذلك الوقت على مساعديه أن يضعوا لنا العشاء، جاء شخص فمد بساطا من البلاستيك على الأرض، ووضع عليه قصعة بها أكلة ليبية حارة نسيت اسمها لكنها كانت عبارة عن بعض الخضار المطبوخ مع اللحم المقدد، ورغيف كبير من الخبز قسمه بينى وبينه وجلسنا نأكل ونتحدث، كان هذا بروتوكول العشاء لدى حاكم ليبيا الجديد، لا موائد ولا خدم ولا حشم ولا أطباق ولا ملاعق أو شوك أو سكاكين، جلسنا على الأرض وأكلنا سوياً من القصعة الخبز والخضار واللحم المقدد، وكان الطعام طيبا وشهيا إلى حد بعيد، كذلك وجدت خلفه الدكتور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطنى الليبى المنتخب حينما ذهبت فى الشهر الماضى للقائه وأجريت أول حوار معه توقعت أن أجد الرجل بعد انتخابه وقد تخلى عما كان عليه، فوجدته فى البساطة نفسها التى كان عليها، وقد تعهد الرجل للشعب الليبى فى الحوار بأن يبقى على ذلك خادما للشعب، أما رئيس الحكومة التونسية حمادى الجبالى حينما أجريت معه أول حوار تليفزيونى أيضا بعد انتخابه فى شهر ديسمبر من العام الماضى 2011، والتقيت معه فى مكتب رئيس الحكومة فى المدينة القديمة، كانت أصوات أغانى أم كلثوم تسمع بشكل واضح من المقاهى التى تقع خلف المبنى وقد قال لى إن الرئيس بورقيبة لم يدخل هذا المكتب سوى مرات قليلة، أما زين العابدين بن على فلم يدخله سوى ثلاث مرات، وحينما جاء موعد صلاة المغرب رفع اجتماع مجلس الوزراء وأمّ رئيس الحكومة الوزراء للصلاة، وقد أخبرنى أحد الموظفين بأن هذه هى المرة الأولى التى تقام فيها الصلاة فى مبنى رئاسة الحكومة منذ عمله فيه قبل ثلاثين عاما، بل إن من يصلى كان يتخفى لأن الصلاة فى عهد بن على وعهد بورقيبة كانت تهمة لمن يقوم بها، ووعد الجبالى التوانسة بأن يبقى على ما كان عليه لأنه يعتبر فترة رئاسته للحكومة وهو الذى كان محكوما عليه بالسجن المؤبد فى عهد بن على هى خدمة للشعب التونسى وليست كما كانت من قبل من أجل التربح والفساد والإفساد، وفى المغرب دخلت بيت رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران وهو بيت تملكه زوجته ويقيم فيه منذ العام 1982، لم يتغير فيه شىء فرشه كما هو، ولباسه كما هو وطعامه وشرابه كما هو، يستقبل ضيوفه كما كان يستقبلهم قبل أن يتولى السلطة، ويذهب إلى عمله فى مكتبه القريب بسيارة الحكومة دون موكب رسمى أو تعطيل لطرق الناس ومصالحهم، ويمكن لأى شخص أن يلقاه ولا يتوقف الطارقون على باب بيته؛ لأنهم كما قالوا له يعتبرونه واحدا منهم وكذلك وزراؤه، أما الرئيس المصرى محمد مرسى فإنه لم يغادر حتى الآن شقته التى يسكنها بالإيجار فى أحد أحياء القاهرة الجديدة، وهى شقة صغيرة من ثلاث غرف، ومع الانتقادات التى توجه إليه فى هذا الجانب لا سيما من الناحية الأمنية إلا أن الرجل يصر أن يبقى على حياته التى كان عليها، ومع ذلك نجد البعض يوجه الانتقادات لهؤلاء الحكام الجدد أنهم لا يلتزمون بالبروتوكول فى أدائهم ولا تخلو التقارير الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعى عن التحدث عن الأخطاء البروتوكولية التى يرتكبها هؤلاء الحكام الجدد، ولا أعرف ما قيمة البروتوكول إلى جانب ما نراه وما نتمنى أن يبقى عليه هؤلاء.
إن ما يميز حكام العالم العربى الجدد أنهم أناس عاديون من الشعب جاءت بهم الثورات والانتخابات والرغبة الشعبية إلى الحكم ولم يحصلوا على الحكم بانقلاب عسكرى أو ورثوه عن آبائهم، ومن ثم فإن حياتهم هى حياة الناس وحياة الشعب الذى اختارهم، وإن تخلوا عنها فإن الشعب سوف يتخلى عنهم.
0 التعليقات:
Post a Comment