هناك حديث مرفوع عن الرسول (عليه الصلاة والسلام) يقول فيه: «من يضمن ما بين الفكين والفخذين، أضمن له الجنة».

وسأقولها بتصرف: اضمنوا لى ما بين الفكين والفخذين، أضمن لكم النهضة.

والحديث هنا مباشر عن علاقات العجز والفائض فى حياتنا السياسية والاقتصادية. وكما قلت من قبل فإننا دولة عجز على أكثر من مستوى. إننا دولة عجز الموازنة فيها حوالى 135 مليار جنيه، أى إن حوالى ثلث ما تنفقه حكومتها سلف.

ودولة عجز ميزان المدفوعات فيها وصل خلال العام الماضى إلى 18.3 مليار دولار. وهو ما انعكس على رصيد احتياطى النقد الأجنبى الذى تراجع إلى النصف تقريباً خلال هذا العام عن مستواه بنهاية 2010 الذى بلغ 36 مليار دولار.

دولة تراجعت فيها الإيرادات السياحية بمعدل الثلث وتحولت الاستثمارات الأجنبية فى محفظة الأوراق المالية فيها إلى صافى تدفق للخارج بلغ 10.4 مليار دولار خلال عام 2011 مقابل صافى تدفق للداخل بلغ 10.9 مليار دولار خلال عام 2010، نتيجة بيع الأجانب لما فى حوزتهم من أوراق مالية، خاصة أذون الخزانة، والذى بلغ 8.9 مليار دولار خلال عام 2011 مقابل صافى مشتريات بلغ 7 مليارات دولار خلال سنة 2010. كما تحولت الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى صافى تدفق للخارج بلغ نحو 482.7 مليون دولار خلال عام 2011 مقابل صافى تدفق للداخل بلغ 6.4 مليار دولار خلال عام 2010.

وما قلل نسبياً من الوضع السلبى لميزان المدفوعات هو ارتفاع صافى التحويلات الخاصة وأهمها تحويلات المصريين فى الخارج.

دولة لا تعانى من عجز بشأن قدرتها على الحياة الكريمة فى الحاضر فقط ولكن كذلك تعانى من عجز فى قدرتها على بناء المستقبل وهو ما يتمثل فى نقص عدد المدرسين على مستوى الجمهورية، حيث تحتاج إلى 88 ألف معلم فى التخصصات التربوية المختلفة. وكل هؤلاء بحاجة لرواتب لا تستطيعها ميزانية الدولة المجهدة أصلاً. كما أن هناك عجزاً على مستوى الأبنية المدرسية يصل إلى 350 ألف فصل أى حوالى 15000 مدرسة خلال السنوات القليلة القادمة.

ودولة العجز موجودة كذلك فى الغذاء، حيث تصنف مصر وفقاً لبرنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة إلى دولة «ذات عجز غذائى ودخل منخفض»، ويكفى الإشارة إلى أن مصر تستهلك 11 مليون طن من القمح سنوياً تستورد منها حوالى 5 ملايين طن أى عجز مقداره 45 بالمائة، والوضع ليس بعيداً كثيراً عن أوضاع العجز فى الذرة الشامية، والسكر والفول والزيوت النباتية (لكن الحقيقة عندنا فائض فى الأرز الذى يستهلك كميات كبيرة من المياه).

والعجز موجود فى عدد المستشفيات والأطباء والممرضات، ووسائل النقل وموارد الطاقة.

دولة عندها عجز فى قدرة أفرادها على العمل المشترك بإنكار كامل للذات.

لكن الحقيقة مجتمعنا عنده فائض مهول فى أمور أخرى تستحق منا التأمل، أولها فائض السكان، وفقاً للجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، عندنا معدل زيادة نحو 5 آلاف نسمة يومياً (وهو حاصل المواليد مطروح منها الوفيات) بما يعنى أننا نزيد حوالى مليون و800 ألف نسمة سنوياً.

ومع التواضع الشديد فى مدارسنا عدداً وعدة، فلنتخيل أن هذه الأعداد لن تكون بالضرورة فى جانب الفائض الفعلى بقدر ما هم إضافة إلى العجز الشديد فى ميزان القوة الشاملة للدولة والمجتمع.

وعندنا فائض مهول فى «الفتى» و«السب» و«التريقة» و«التخوين» و«الادعاء» وهى خماسية قاتلة أتمناها لألد أعدائنا، «ولكن حظنا وحش جاءت فينا». بلد عنده فائض فى «الهتيفة» ومسجلى المواقف، وأهل الضوضاء الباحثين عن الأضواء.

وفى ظل كل هذا يكون الجهد الأساسى هو إلقاء الطوب على بعضنا البعض، وسب بعضنا بعضا.

إذن هى تحية من القلب لشعب رواندا الذى قتلت فيه الأغلبية 800 ألف من الأقلية، وتسامح وانطلق.

وهى تحية من القلب لشعب جنوب أفريقيا الذى قتلت فيه الأقلية ربع مليون شخص من الأغلبية، وتسامح وانطلق.

ولك الله يا مصر.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -