لا معنى لكل هذه المماطلات والتلكؤات فى تحقيق تقدم ما على صعيد التوافق على الدستور، سوى أن البعض لا يريد الانتهاء من وضع الدستور الآن، وبوضوح أكثر يبدو سلوك تيار الأغلبية فى الجمعية التأسيسية، أى جماعة الإخوان ممثلة فى حزب الحرية والعدالة، وكأنهم يريدون مط مسلسل العك الدستورى لأطول فترة ممكنة.
ولاحظ أنه فى كل المنعطفات الحادة فى مسيرة الجمعية التأسيسة كان هناك سيناريو واحد لا يتغير فى محتواه، إذ كلما لاحت انفراجة تأسيسية يتحمس لها الأعضاء الممثلون للقوى الليبرالية والمدنية، يأتى عضو أو مجموعة من أعضاء الجمعية المنتمين للتيار الإسلامى ليفجر لغما جديدا يهدم ما يبنى من جسور للثقة، ويبتلع ما يظهر من فرص للتوافق، لتعود الأمور سريعا إلى نقطة الصفر، وربما ما قبلها.
وإذا عجز ممثلو الأغلبية فى زرع لغم، فإنهم لا يعدمون زميلا من القوى المدنية يقوم بالمهمة بقصد أو بدون قصد، ويثير ذوبعة هنا أو هناك ليعتقد الموقف مرة أخرى، وكأنهم يمارسون لعبة «الاستغماية» ولا يريدون لها أن تنتهى.
وإذا كان البعض يلمح فى ما يجرى محاولة من القوى صاحبة الأغلبية فى البرلمان (المنعدم) للتطويل فى دراما إنتاج الدستور لآخر مدى، فإن هذا الاستنتاج ليس نوعا من الإثم، أو التخابث، إذ يبدو أن فريقا لا يريد الانتخابات الآن، استشعارا منه بعدم الجاهزية، أو تآكل الشعبية، ومن ثم فالانتهاء من وضع الدستور والاستفتاء عليه وإقراره ليس فى صالحه، لأن ذلك يقود مباشرة إلى الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية، هو لا يريدها الآن ويفضل ترحيلها إلى مستقبل ليس قريبا.
لقد واجهت مجموعة أعضاء التأسيسية التى أصدرت بيانا غاضبا أمس الأول ضد ألاعيب سلق الدستور، انتقادات وشتائم وسخائم وضيعة حين قررت العودة إلى الجمعية التأسيسية قبل أكثر من شهر، حيث اتهمت هذه المجموعة وتضم شخصيات سياسية لها تاريخها فى الاحترام والنزاهة بأنها تعمل لمصلحة الإخوان وحزب الحرية والعدالة.. ومن ثم حين تعبر هذه المجموعة عن غضبها مما يدور داخل التأسيسية، تأكد أن هناك من يضع العى فى العجلة داخل الجمعية، خوفا من حدوث تقدم أو توافق.
ولاحظ أيضا أن جميع الأطراف المشاركة فى الضخب الدائر الآن سبق وأن أعلنت موافقتها على عدم التغيير فى المواد المثيرة للخلاف والشقاق، وقد أعلن عن ذلك فى إطار وثيقة الأزهر، وبدا أن عوامل الفتنة والانقسام قد تلاشت وخمدت تماما، ثم جرى استدعاؤها مرة أخرى بشكل مفاجئ، وكأن أحدا لم يجلس مع أحد أو يتناقش معه من قبل.
وباختصار شديد يمكن قراءة المشهد الراهن باعتباره استعراضا مبكرا للعضلات الانتخابية من جانب البعض، وفرار من سيناريو انتخابات وشيكة من جانب البعض الآخر.. إنهم يتقاذفون كرة الدستور بينهم فى مباراة لا تعترف بقانون اللعبة السياسية.
0 التعليقات:
Post a Comment