شاهدت منذ عدة أيام تقريراً (عجباً) بثته قناة روسيا اليوم (RT) يحكى عن مزرعة تعتمد أسلوب الزراعة العضوية وتجذب إليها سائحى مختلف دول العالم.. المزرعة ليست فى روسيا ولا حتى فى دولة أوروبية؛ بل التقرير يخبرك أنَّ مزرعة «حبيبة» فريدة الطراز هذه مصرية صميمة.. وفى نويبع كمان!

رجل أعمالٍ مصرى قرر الخروج على المألوف.. قرر الخروج من رحم التصورات الضيقة العتيقة.. قرر أن يكون صاحب مبادرةٍ وأن يضعها موضع التنفيذ دون كثيرٍ من الصخب.. قرر استصلاح قطعة أرضٍ صحراوية فى نويبع معتمداً على أسلوب الزراعة العضوية.. والزراعة العضوية هى ببساطة أن تحصل على منتجٍ زراعيٍ بعيداً عن الأسمدة والمبيدات الكيميائية ومحافظاً على البيئة فى الوقت نفسه.. نظافة فى نظافة يعنى!

المهم أن رجل الأعمال بعيد الرؤية كان يهدف إلى الاستفادة مما بات يُعرف عالمياً بالسياحة الزراعية (Agritourism)؛ وهى السياحة التى تزدهر فى العالم يوماً بعد آخر نتيجة لتنامى الاهتمام بأسواق الأطعمة المنتجة بعيداً عن الأسمدة الكيميائية - تذكرت أيام انتخابات مجلس الشعب كنَّا نتحدث عن سياحة غير تقليدية والبعض أصر على تسفيه رأينا - وبالفعل استضاف التقرير الإخبارى عدداً من سائحى أوروبا وكندا قرروا التطوع للعمل فى مزرعة «حبيبة» بعدما جذبهم هذا النموذج الفريد.

ولو أنك تعمقت فى البحث وراء هذا الموضوع أكثر ستدهشُ أن دولاً أقل منَّا استعداداً وإمكانياتٍ بشكل كبير كفلسطين والجزائر قد قطعتا شوطاً لا بأس به فى هذا المضمار!

حقيقةً تحمست للتعليق على هذا التقرير بسبب عاملين رئيسيين؛ أحدهما تنموى والآخر إعلامى.. أمَّا التنموى فلأن مصر بحاجة إلى كسر نمط التفكير التقليدى فى ما يتعلق بنهضتها؛ بحاجةٍ إلى ما يسميه علماء الإدارة التفكير خارج الصندوق (Thinking outside the box)؛ ومزرعة «حبيبة» كانت مثالاً واضحاً على ذلك.

بالإضافة إلى ما تمثله من نموذج ٍ للمشاريع الصغيرة والمتوسطة (SMEs) وهى أحد المفاتيح السحرية للتنمية التى نضرب بها أكثر من عصفورٍ بحجرٍ واحد؛ منها تقليل نسبة البطالة المتزايدة وتكوين حلقة الوصل بين تنمية اقتصادية شاملة وبين تأثيرها على الطبقات الأكثر فقراً فى مجتمعنا ومنها تغيير جذرى فى ثقافة المجتمع يتعود من خلالها المواطن المصرى على الإيجابية وروح المبادأة.

أمَّا الجانب الإعلامى؛ فصراحةً أخذت أقارن متحسراً بين قنوات إعلامية كهذه تساعد على التنمية وتطلق العنان لأفكار مشاهديها وتخلق لهم مساحاتٍ جديدة للإبداع، وبين ترسانة قنواتنا الفضائية التى تصر على خنق المواطن المسكين صباح مساء بأزمات أغلبها مفتعل، ومشاكل يغرق فيها مهموماً حتى أذنيه دون أدنى بارقة أمل.

لست معترضاً على كشف الحقائق، أنا فقط ضد افتعال الحرائق! ولست ضد انتقاد التيار الإسلامى؛ بل أنا أكرر دائماً أن النقد الإيجابى الموجه علامة صحية على نضج المجتمعات؛ لكننى ضد المبالغة وتعمد التشويه..ضد المعارضة للمعارضة.. ضد سياسة هدم المعبد على رؤوس الجميع!

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -