أحيانا يتساءل الإنسان: ما فائدة الكلام؟
لقد قلت، وقال غيرى، وفى أسبوع واحد فقط كل ما يمكن أن يمنع المشهد المتأزم الذى نعيشه الآن.
فى هذا المكان، يوم 27 نوفمبر قدمت روشتة وتحذيرات من عدة نقاط منها: «هناك مسئولية على الرئيس، الذى عليه أن يتوقف عن التصرف وكأنه له فى الشارع السياسى مؤيدون مخلصون وهم أهل الحظوة ومعارضون أشرار وهم أهل الاستبعاد. الرئيس هو رئيس كل المصريين، وعليه أن يطمئن الخائفين ويحاور المعارضين وألا يتبنى استراتيجية العلاج بالصدمات فى مجتمع أصلاً مصدوم مما يحدث له ومنه لمدة أكثر من سنتين».
وفى الخميس 29 نوفمبر أى قبل أن يتم التصويت النهائى على الدستور، جاء فى هذا العمود:
إن الفجوة تزداد بين الرئيس وفريقه والمعارضين الذين بعد أن كانوا فرقا أصبحوا فريقا واحدا (ولو مؤقتا). وهنا لا بد أن يكون واضحا أن الرئيس، أى رئيس، كى يصل إلى منصب الرئاسة فهو يحتاج دعم أنصاره، ولكن كى ينجح كرئيس فهو بحاجة لدعم معارضيه أيضاً.
وهل هناك من أوقع الرئيس فى الفخ بأن أبلغه أن الصورة الذهنية عنه أنه ضعيف ومتردد وارتمى فى أحضان الدولة العميقة، فما كان منه إلا أن اتخذ قرارات أفضت إلى ما انتهينا إليه؟ لو صح هذا الكلام، إذن عملية صنع القرار السياسى الرئاسى فى مصر بحاجة لإعادة نظر.
والرئيس يستطيع أن يعلن مساء الخميس أو صباح الجمعة أنه لن يقدم الدستور إلى الاستفتاء إلا بعد أن تتأكد مؤسسة الرئاسة تماما أنه دستور يعبر عن روح مصر ولا يعبر عن رؤية أى فصيل بذاته وأنه سيتأكد من ذلك بنفسه وأى مواد غير توافقية سيبحث لها عن مخرج.
إذن تم التحذير من «أن كرة اللهب المسماة الدستور بدأت تتحرك من مقر مجلس الشورى حيث تعقد الجمعية جلساتها إلى الرئاسة حال حل الجمعية أو عدم توافقها».
وللتأكد من أن هذه الرسائل وصلت إلى الرئاسة، تواصلت مع مؤسسة الرئاسة ومع الزملاء من الحرية والعدالة، بأن استمرار أعمال الجمعية وصولا إلى دستور ستستمر على شرطين: الأول أن كل ما تم الاتفاق والتوافق عليه من المنسحبين سيظل كما هو بصيغته وفى مكانه من أبواب الدستور، والثانى أن الرئيس سيلبى وعده بخلق التوافق (وهذا ما قاله نصا فى مئوية نقابة المحامين). بل أذكر أننى تواصلت مع مؤسسة الرئاسة ليلة تسليم الدستور واقترحت أن تكون الصيغة أن الرئيس سيرفع مسودة الدستور النهائية ليقول: «من أجل مشروع الدستور هذا تم وضع الإعلان الدستورى حتى تكتمل مؤسسات الدولة، ومن أجل هذا أعلن أن الإعلان الدستورى المكمل كأن لم يكن. ثم أنا وعدت من قبل أننى لن أقبل إلا أن يكون الدستور توافقيا، وعليه أنا أدعو الأعضاء المنسحبين لتقديم اقتراحاتهم للسيد نائب رئيس الجمهورية وسأقدم المقترحات مشفوعة بطلب منى أن يتم التوافق بين الجميع. هذا دستور مصر ولا بد أن يرضى عنه كل مصر».
لكن واضح أن الرئيس سلم أذنيه إلى من أراد التصعيد تحت غطاء الشرعية الانتخابية التى هى أضعف الشرعيات فى أعقاب الثورات، حيث الثورة لم تهدأ وكما قلت كذلك: الثورة هى قمة السياسة لأنها قمة الصراع، وهى قمة اللاقانون لأنها بحكم التعريف خروج على القانون.
بل كان الأوضح من كل ذلك أننى كتبت وقلت المعادلة الشهيرة إن: استقطاب + احتقان + احتكاك = عنف وبالتالى علينا ألا نجمع الفريقين من المحتجين والمتظاهرين فى نفس المكان وفى نفس الزمان.
وكان الكلام أيضاً على أن «العنف اللفظى مقدمة ضرورية ومنطقية للعنف المادى لأن الكلام باللسان يكون مقدمة للفعل باليد، لاسيما فى بيئة شديدة الاحتقان كالتى نحن فيها».
هذه كانت الرسائل، وهذا كان المأمول، والنتيجة هى الأيام الصعبة التى نمر بها. رحمة الله على من استشهد، وشفا الله من أصيب. والرسالة لمن هو فى السلطة: اسمع واستمع، أنصت واعقل.
0 التعليقات:
Post a Comment