نظرية المواطن الدبوس تقوم على فكرة أن الإنسان المصرى أصبح «شكاكا» بطبعه وفقا لمنهج «أنا أشك إذن أنا دبوس». وحين تتكاثر الشكوك، تتزايد الدبابيس، وعليه ما اجتمع مصريان إلا كان الشك ثالثهما، ويجرى الشك من المصرى مجرى الدم.
هذا عن «الدبوس، » ماذا عن الدستور؟
الدستور هو الساحة الأرحب للدبابيس البشرية التى إما تقدس النص أو تلوى النص، وكلاهما خطأ. مثلا، هناك من يتحدث عن حق الناس فى تكوين الأحزاب والجمعيات والنقابات والصحف بالإخطار، وهذا تطور فى الفكر الدستورى المصرى الذى طالما جعل العقبات البيروقراطية والموافقات الأمنية سببا فى إعاقة المجتمع المدنى. وهذا ما يحدث فى معظم الدول الغربية، أنت مواطن شريف وغرضك نبيل إلى أن يثبت العكس. وإن ثبت العكس، فستعاقب وصولا إلى حل الجمعية أو النقابة أو غلق الصحيفة بحكم قضائى، وليس بقرار إدارى. فى أى مكان آخر فى العالم، كان المفروض أن يكون هذا شيئا إيجابيا. ولكن فى ساحة القنافذ البشرية، هذا مستحيل. وبالمناسبة الكلام السابق لا ينطبق على النقابات المهنية (مثل المحامين أو الأطباء) لأنها هى فى الأصل نقابة واحدة يمكن حل مجلس إدارتها وليس حلها هى.
مثلا سمعت كلاما ممن يرفضون وجوب أن يأخذ رئيس الجمهورية رأى مجلس الدفاع الوطنى فى الأمور التى تتعلق بشئونه أو فى إعلان الحرب. هل من المعقول أن ممثلى القوات المسلحة لا يستشارون فى الأمور التى تتعلق بشئونهم؟ نحن فى بلد يخرج فيه القرار اليوم ويتم إلغاؤه غدا؛ طيب على الأقل نستشير أهل الاختصاص. والحقيقة أنا متفهم، فى الظروف التى تمر بها مصر، لماذا النص على أن يكون وزير الدفاع من ضباط القوات المسلحة حتى لا تصدر النخبة المدنية المهترئة مشاكلها للقوات المسلحة. وبصراحة أقول للنخب السياسية المدنية: اتركوا الجيش يدير شئونه بذاته وراقبوه مراقبة جيدة لضمان عدم الفساد، ولنعط لأجهزة الرقابة مثل المفوضية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزى للمحاسبات ومجلس النواب ومجلس الدفاع الوطنى كى يقوموا بدورهم الرقابى.
يقال إن صلاحيات رئيس الجمهورية فى هذا الدستور كبيرة مثل دستور 1971 وهذا الكلام ظاهره الصحة وباطنه التساؤل: هل المسألة بالعدد أم بالكيفية؟ لا يوجد موضوع أو اختصاص للرئيس إلا لا بد وأن يكون معه أحد أو جهة لا بد أن توافق معه بدءا من تعيين رئيس الوزراء (لا بد من موافقة مجلس النواب) (وبالمناسبة هذا ليس موجودا فى دستور 1958 فى فرنسا)، وتعيين رؤساء الجهات الرقابية والأجهزة المستقلة (لا بد من موافقة مجلس الشورى)، وتعيين الموظفين العامين فى بقية المناصب (لا بد أن يكون بالمشاركة مع الحكومة)، وهكذا.
ومع ذلك أنا لم يزل عندى تحفظان كبيران على حق رئيس الجمهورية فى الاستفتاء المباشر للشعب دون مشاورة أحد، ولكن الجمعية استجابت لاقتراحى بأنه على الأقل، حين يستفتى الشعب فى أكثر من موضوع، يكون فى أكثر من ورقة استطلاع حتى لا يسىء الرئيس استخدام أداة الاستفتاء بأن يدس سم مادة فى عسل مادة أخرى. وكذلك عندى تحفظ قلته أكثر من مرة بأن رئيس الجمهورية ينبغى أن يكون مساءلا أمام مجلس النواب إذا ما خالف صلاحياته الدستورية، واكتفى الزملاء بمخالفتين فقط وهما (الخيانة العظمى أو ارتكاب جناية). وقال أحد القانونيين إن مفهوم الخيانة العظمى قد يمتد لحنثه بقسمه أن يحترم الدستور والقانون. ولكن كنت أتمنى أن يكون النصح أوضح.
وهناك تحفظات أربعة أخرى سأناقشها لاحقا.
من الآخر، ليس عندى سبب يدعونى للدفاع عن هذا الدستور باستماتة أو مهاجمته بشدة. هو دستور عادى، ليس عبقريا، وليس كارثيا، كمعظم الأمور فى مصر. المشكلة ستكون فى العقول التى ستتلقفه وليس فى نصوصه.
قولوا «نعم» أو قولوا «لا».. عادى، كله عادى، لكن فقط تذكروا أن بعد 15 ديسمبر سيكون هناك يوم جديد. من يرد أن يرفض هذا الدستور، هذا حقه، ومن يرد أن يقبله، هذا حقه. عادى.
0 التعليقات:
Post a Comment