فى حوارات متواصلة مع مواطنات ومواطنين يعتزمون المشاركة فى السبت الثانى لاستفتاء الدستور، أكد لى بعضهم أن عدم اقتناعهم بمواد الدستور وقلقهم إزاء تداعياتها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات الشخصية والمدنية لن يدفعهم للتصويت بـ«لا».

وعندما سألتهم عن السبب، أخبرونى وبصياغات مختلفة أنهم باتوا يضيقون ذرعاً بالقوى السياسية ونخبها العاجزة عن حل أو احتواء الأزمات، ويريدون أن يباعدوا بين مصر وبين تعثر دستورى وسياسى طويل المدى وخلافات لا تنتهى حول الجهة المنوط بها وضع الدستور إن أُسقط مشروع الدستور الحالى فى الاستفتاء.

هؤلاء سيصوتون إذن بـ«نعم» لدستور غير مُرضٍ، من جهة لمنع المزيد من الأزمات، ومن جهة أخرى لفقدان الأمل فى قدرة نخب السياسة على صناعة حلول. والحقيقة أن هذه المجموعة من المواطنات والمواطنين بتصويتها المتوقع تأييداً للدستور تتمايز عن مجموعة ناخبى الاستقرار التقليديين الذين يربطون بين نعم للدستور و«دوران العجلة»، عجلة تحسن الظروف المعيشية والتنمية الاقتصادية مع استقرار الدولة واستكمال بناء مؤسساتها. يسهل الرد على مقولات «دوران العجلة» بالتأكيد على أن حصاد الدستور المشوه والظروف المجتمعية والسياسية المحتقنة المحيطة بوضعه وبالاستفتاء عليه سيكون المزيد من غياب الاستقرار وهشاشة مؤسسات الدولة (الرئاسة والبرلمان) ولن يرتب، من ثم، أبداً لا تحسناً معيشياً ولا تنمية اقتصادية.

فى المقابل، تبدو مقولة «نخبة سياسة عاجزة تساوى أزمة مستمرة وتعثراً دستورياً لا ينتهى» أصعب بكثير فى تفكيكها والرد عليها.

بالفعل نخبة السياسة عاجزة، والعجز ينسحب على الإسلام السياسى والتيارات الليبرالية والوطنية معاً.

نخبة السياسة عاجزة، والعجز يصدر للمواطنات وللمواطنين عبر وسائل الإعلام فى سلسلة لا تنقطع من المواجهات والصراعات والمواقف السجالية دون طرح لحلول أو لمبادرات لاحتواء الأزمات.

نخبة السياسة عاجزة، والعجز هو دوماً التمترس فى المكان خوفاً على مصالح ضيقة أو تعويلاً على رؤى حزبية تتناقض فى الكثير من الأحيان مع المصلحة الوطنية.

لا يمكن استبعاد عناصر العجز هذه من مشهد السياسة فى مصر، ولا ينبغى تجاهل فقدان الثقة فى النخبة الذى ترتبه ودفعها بعض المواطنات والمواطنين للتصويت بنعم لدستور غير مقنع للحد من الأزمات، إلا أن ما يمكن أن يرد به هنا على مقولة «النخبة العاجزة» وقضية الدستور، دون ممارسة الاستعلاء بالاستبعاد والتجاهل، هو أن عجز النخبة يرتبط بوضوح بالمقدمات الخاطئة التى بدأنا بها إدارة الانتقال الديمقراطى وتداعياتها الكارثية خلال الفترة الممتدة من فبراير 2011 إلى اليوم، وأن الموافقة على دستور مشوه ستعنى المزيد من المقدمات الخاطئة وعجزاً مستمراً للنخبة.

ما يمكن أن يدفع به هنا أيضاً هو أن عجز النخبة يتصل بمحاولة أطرافها المنتمية للإسلام السياسى اختطاف الدولة واحتكار المجتمع ومقاومة الأطراف الأخرى لهذا بأدوات ما زال طابعها الأوضح هو غياب الفعل الاستراتيجى المنظم.

العجز إذن هو نتاج الاختطاف ومحاولة مقاومته غير المنظمة، والدستور المطروح للاستفتاء ليس إلا حلقة جديدة فى مسعى الاختطاف، ومن ثم قد يرتب رفضه إخراجاً للنخبة من عجزها وصناعة لعلاقات من نوع آخر بين أطرافها ربما مكنتنا من حل أزماتنا أو احتوائها.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -