ما هى وظيفة مفتى البلاد فى أية دولة إسلامية؟

بالضرورة دوره الوحيد هو الفتوى، والفتوى تعنى الرد على تساؤلات الناس الحائرة، واستجلاء قول صحيح الدين فيما يسألون، وعليه فإن كل ما يصدر عن المفتى هو فتوى، خصوصا إذا كان يسأل فى وسيلة إعلامية عامة، ومن المهم هنا أن ينتقى المفتى ألفاظه ومفرداته السليمة لغويا، التى لا تشوبها شائبة علمية.

ومن هنا تأتى الدهشة من المفردات والمصطلحات التى يستخدمها فضيلة مفتى الجمهورية الدكتور على جمعة فى فتاواه، من عينة «الهرتلة» التى استخدمها مرتين فى غضون ساعات ردا على مسائل فقهية.

وهذه «الهرتلة» لا وجود لها ولا أصل فى قواميس اللغة العربية، وإن كانت قد قفزت مثل غيرها من مفردات لغة «الشات» و«الروشنة» من خطاب الشارع الشبابى إلى قاموس المصطلحات السياسية والإعلامية، وصار البعض يتداولها كنوع من الهزل والتهريج والسخرية اللاذعة.

وقد يكون هذا مفهوما من شباب الشاتنج فى عصر انفجار اللغة الذى هو انعكاس لانفجار القيم، لكن أن تجرى هذه المفردات على لسان فضيلة مفتى البلاد فهذه مسألة تسترعى الانتباه، لأنه ومع شديد الاحترام لمقام المفتى ومكانة مهمة الإفتاء الجليلة، فإن لغة الفتوى يجب أن تظل مصونة ومحمية من حرائق اللغة اليومية وعبثيتها.

لقد أجاب الدكتور جمعة عن سؤال بشأن حملة «المليون بطانية» التى انطلقت أخيرا بقوله «مهمة جدا لأنها تحول الهرتلة الكلامية الحالية إلى عمل ينفع الناس».

ثم رد مفتى الجمهورية على تصريحات شخص ادعى أنه مؤسس جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر «بدعوة المسيحيين للإسلام على أبواب الكنائس وفرض الحجاب على الفتيات القبطيات وإن لم يدخلن فى الإسلام» قائلا: هذه هرتلة إعلامية من الأفضل تجاوزها.

وأزعم أنه بما أننا نعيش فترة تصحر قيمى وتجريف للغة ينبغى أن تبقى المؤسسات الدينية والعلمية حائط صد أخير أمام هذه الموجات العاتية من العربدة باللغة العربية، ولا تنزلق إلى مستوى خطاب الشارع و«افتكاساته».

وعلى ذكر الهزل فى مواضع الجد، راعنى أن الدكتور جابر نصار أستاذ القانون والملقب بالفقيه الدستورى، سئل فى مداخلة هاتفية مع الزميل الإعلامى عمرو الليثى عن حقيقة كلامه عن الدستور الجديد ووصفه له بأنه من أفضل الوثائق الدستورية فى تاريخ مصر الذى قاله لى فى حضور مجموعة من الشخصيات المحترمة، فرد على الهواء مباشرة بأنه كان «يمزح ويهذر».

ومع عظيم تقديرى لشخص الدكتور جابر فإن ما بيننا من علاقة ود ليس فيه مساحة للهذر والمزح، فضلا عن التهريج لا يكون فى الكلام عن دستور للبلاد، وأمام شهود ثقات حضروا الموقف، من بينهم المهندس إبراهيم المعلم الذى هو رئيس مجلس إدارة الصحيفة التى أتشرف بالعمل فيها، فإن كان الأمر هذرا فى مزاح فإننى على استعداد للتنازل عن مرتبى من الصحيفة لمدة ثلاثة أشهر.

وقانا الله وإياكم شر استخدام «الهرتلة» فى الفتوى والتهريج فى الدستور.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -