عبدالمجيد محمد شهاب 54 سنة من قرية دنشال مركز دمنهور، ومحمود عبدالمقصود عربود من مدينة دمنهور، شهيدان حقيقيان فى زمن الخلط وتشوه المعانى وضياع الحدود الفاصلة بين ما هو حقيقى وما هو مصنوع.

عبدالمجيد ومحمود شهيدا الخبز اللذان لقيا مصرعهما رميا برصاص أصحاب مخبز فى قرية حين توجها فى مهمة عمل رسمية للتفتيش على جودة الخبز، لكن أحدا لم يحتف بهما إعلاميا بالشكل الذى يليق بوقائع استشهادهما النبيل، فى عصر امتلأ بالشهداء المزيفين، الأحياء منهم والموتى.

حتى حين أقدم وزير التموين الشاب الدكتور باسم عودة الذى يمثل تجربة فريدة فى أداء حكومة هشام قنديل، على تكريمهما ومنح أسرتيهما معاشا استثنائيا، سمعنا همهمات ورأينا مصمصات للشفاة، وشهدنا هزات للأكتاف ونظرات استنكار فى عيون وقحة، تستكثر على موظف كادح بسيط يموت دفاعا عن حق المواطن فى رغيف خبز نظيف ويصلح للبشر أن يوضع فى قائمة شهداء الواجب.

إنه عمى الضمير، والكيل بمكيالين الذى يجعل المسافة بين «عبدالمجيد ومحمود» والشهادة، أبعد بكثير من موضع «عبدالمجيد محمود» منها، مع فارق بسيط أنهما بين يدى الله، بينما الأخير فى رعاية إعلام مضلل، جعل منه رمزا للنضال والثورة، بعد أن كان إقصاؤه ومحاسبته من المطالب الثورية المقيمة فى ميادين مصر على امتداد عامين كاملين.

إن مفتش التموين الشريف لا يزيد راتبه الشهرى على 400 جنيه، بحسب موضوع منشور على صفحة «الائتلاف العام للعاملين بالتموين والتجارة الداخلية فى مصر» ومطلوب منه يوميا أن يلف فى شوارع المدن والقرى النائية للإشراف على المخابز وتوزيع اسطوانات البوتاجاز وتحرير بطاقات التموين وتنفيذ خطابات الخصم والإضافة للمواطنين والإشراف على تجار السلع التموينية ومعاملة المواطنين معاملة حسنة والابتسام فى وجه المواطن وإلا تُكال له كل الاتهامات لأنه ابن البلد أو القرية والكل يعرفه ويعرف أهله وعليه أن يؤدى لهم الخدمة مهما كانت قانونية أو غير قانونية.

ووفقا للموقع ذاته فإن «عمل هؤلاء المفتشين بلا أى حماية أو قوة تساندهم فى حالة إمساكهم بمخالفة أو متهمين.. أو العمل فى الزحام الشديد لتوزيع اسطوانات البوتاجاز أو زحام المخابز وغير ذلك، ناهيك عن الأدب الجم الذى يعامل به من الجمهور الحبيب.. أى صعوبة هذه التى يعملون فيها.. ليس لهم أيام إجازة مثل باقى العاملين بالدولة وذلك لقلة عددهم».

ومثل هؤلاء كثيرون من عمال وفلاحين وعساكر كادحين وشقيانين يموت فى صمت كل يوم دفاعا عن حق المصريين فى حياة وخبز وأمان.

غير أن ذلك كله لا يكفى لكى يجرى التعامل معهم كشهداء حين يموتون على يد تاجر جشع، أو برصاص صاحب مخبز لا يريد لأحد أن يراقبه ويحمى حق الجمهور فى رغيف يصلح للاستهلاك الأدمى، فتجد إعلاما يلهو بالمولوتوف طوال الوقت لا يلتفت إلى هؤلاء، بمقدار واحد على مليون من الرعاية والدعاية والاحتفال بقتلة ومصاصى دماء وناهبى أموال أكل عليهم الفساد وشرب ومع ذلك يظهرهم فى صورة الثائرين المصلحين الوطنيين.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -