نعود إلى البدايات: يمثل تمكين الدولة والمجتمع والمواطن من ممارسة التعددية أساسا وهدفا للديمقراطية. ويندرج تحت ممارسة التعددية ضمان وحماية كل من:
١ـ حرية التنظيم السياسى، أى تكوين الأحزاب السياسية وتنافسها
لتداول السلطة عبر انتخابات نزيهة ودورية.
٢ـ حرية التنظيم الاجتماعى، أى تكوين المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية دون قيود.
٣ـ حرية التعبير الفردى والجماعى عن الرأى، أى قدرة المواطنات والمواطنين على الاهتمام بشئون الدولة والمجتمع والتعبير عن قناعاتهم دون خوف من تعقب أواضطهاد.
٤ـ إلزام مؤسسات الدولة وكيانات كالأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام بقبول الرأى الآخر والابتعاد عن إقصائه أو استبعاده وكذلك الترويج الإيجابى فى المجتمع لثقافة الاختلاف عبر وسائطالتعليم والتنشئة والتوعية المتنوعة.
وتمارس الدول والمجتمعات الديمقراطية حريات التنظيم السياسى والاجتماعى والتعبير الفردى والجماعى عن الرأى فى إطار قواعد دستورية وقانونية تضمنها وتحميها وتحول فى الممارسة الفعلية دون العصف بها إن بسبب تغول مؤسسات الدولة (والتغول هذا خطر راسخ فى جميع الدول، ديمقراطية أو غيرديمقراطية) أو بسبب توحش نخب الحكم أو لرغبة قوى سياسية بعينها أو فصائل
مجتمعية فى الهيمنة.
ويعنى هذا أن القواعد الدستورية والقانونية الحامية للتعددية عادة ما تحوى اشتراطات عادلة كعدم جواز تقييد الدولة للحريات ومحاسبة المسئولين حال حدوثه، وتجريم تلاعب نخب الحكم بالحريات هذه بغية الدفاع عن مصالحها وبقائها فى مواقعها (وأبواب التلاعب هذا متصلة دوما بالنظم الانتخابية)، ومواجهة هدم التعددية والتناقض مع مضامينها بحظر تأسيس أحزاب سياسية أو تكوين منظمات غير حكومية على أسس تمييزية كالنوع والعرق والدين والمذهب والحيلولة دون تورط الأحزاب والمنظمات فى ممارسات تمييزية ومعاقبتها إن فعلت (طائفة متنوعة من العقوبات تعتمدها هنا الدول والمجتمعات الديمقراطية من الغرامات المالية إلى المنع والاستبعاد المؤقت أوالدائم).
وبالإسقاط على واقعنا المصرى الراهن وللمواطنات وللمواطنين الذين لم يتخلوا عن الديمقراطية كوجهة لتطور الدولة والمجتمع، ثمة حاجة موضوعية تتجاوز مجرد المنع اللازم (والذى أطالب به منذ سنوات) لتكوين أحزابسياسية على أساس دينى. نحتاج لمراجعة وتعديل بعض القواعد الدستورية والقانونية لحماية حريات التنظيم السياسى والاجتماعى والتعبير عن الرأى
لكى تغل يد مؤسسات الدولة عن تقييدها إن بقوانين استثنائية أو ممارسات غير ديمقراطية نتابع الكثير منها اليوم، ولكى تمنع الأحزاب والكيانات الأخرى وبفاعلية من هدم التعددية إن بالانقلاب عليها بعد الوصول إلى الحكم عبر صندوق الانتخابات كما دلل عام رئاسة الدكتور محمد مرسى أو عبر التورط فى ممارسات تمييزية كما حدث من قبل الكثير من أحزاب اليمين الدينى خلال العامين ونصف الماضيين.
أخيرا، ولكى نمكن الدولة والمجتمع والمواطن من ممارسة التعددية كأساس وهدف للديمقراطية يتعين علينا فى مصر بلورة منظومة متكاملة من القواعد الدستورية والقانونية لضمان إلزام مؤسسات الدولة بالتعددية من شاكلة الفصل القاطع بشأن المنصب العام بين المناصب السياسية التى تحسمها الانتخابات والمناصب الإدارية التى تشغل بالكفاءة وإجبار الدولة على
التزام الحياد وسيادة القانون تجاه المواطنات والمواطنين فى جميع ممارستها ومحاسبة المسئولين الناجزة والشفافة حين مخالفة ذلك. يتعين علينا أيضا التفكير فى تطوير قواعد قانونية ملزمة لمنع الأحزاب والمنظمات غير الحكومية من إقصاء واستبعاد الرأى الآخر والترويج لفاشية «من ليس معنا فهو ضدنا» إن زيفا باسم المصلحة الوطنية أو تأسيا مجنونا بحرب بوش
على الإرهاب وبخطابها الأحادى وبتعويلها الذى لم ينجح على الحلول الأمنية.
ثم يأتى دور الإعلام فى مصر وبجميع وسائله فى الامتناع عن التكفير والتخوين والتعريض حين الاختلاف فى الرأى وادعاء احتكار الحقيقة المطلقة باسم نخبة الحكم أو مؤسسات الدولة. وكذلك الابتعاد عن الترويج لمفاهيم كارثية، ليس فقط من منظور التعددية والديمقراطية بل أيضا فى تداعياتها على السلم الأهلى وإنسانية المجتمع، كنعت المخالفين لتوجه الحكام بالخونة
والعملاء وأفراد الطابور الخامس إلى آخر الرطانة التى تطالعنا بها يوميا وجوه وأصوات الجهل المناصرة للدولة الأمنية.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.
0 التعليقات:
Post a Comment