الغباء له ناسه، والإخوان هم أقرب ناسه إليه، ولذلك لم أستغرب غضبهم من القاضى الذى أصدر أحكاما «شامخة» بالسجن 11 سنة على «بنات اسكندرية» اللواتى ارتكبن جريمة قطع الطريق بالبلالين، تلك الجريمة الشنعاء التى روّعت البلاد وأقضت مضاجعها وحرمت سكانها الشرفاء من أن يستمتعوا بإحساس أنهم «نور عينين» الفريق عبدالفتاح السيسى. أصلا، من أين سيجىء أنصار جماعة الإخوان الإخوان بالذكاء الذى يجعلهم يمتنعون عن التظاهر أمام منزل القاضى أو مهاجمته على مواقعهم وصفحاتهم، ليرسلوا إليه بدلا من ذلك برقيات شكر وباقات ورود ودروع تكريم، لأن التنظيم الدولى لو كان قد صرف ملايين الدولارات للدعاية لما يتعرضون له من ظلم، لما أحدث نفس التأثير الذى حققه القاضى، الذى أنقذه هجوم الإخوان عليه من أن يتم اتهامه فى وسائل الإعلام العسكرى بعضوية الطابور الخامس الراغب فى تشويه سمعة مصر، وإظهار أنها لا ترفل فى عرس الديمقراطية بالسين الذى حرمتها جماعة الإخوان منه.
ثمة درع تكريم آخر يجب أن يحصل عليه القاضى فورا من هيئة القضاء العسكرى التى لم ينصفها أحد مثلما فعل، كانت مجموعة (لا للمحاكمات العسكرية) بوقفتها أمام مجلس الشورى قد نجحت فى اختراق حائط الصمت الذى فرضته أجهزة الإعلام حول قضيتها العادلة، لدرجة أن رئيس هيئة القضاء العسكرى خرج عن صمته ليقول فى حوار تليفزيونى أن القضاء العسكرى هدفه سرعة الفصل فى القضايا وتحقيق الردع العام اللازم، وقد بدا لى أن الرجل برغم كل ما بذله من مجهود، لم ينجح فى إقناع الكثيرين بأهمية وجود محاكمات عسكرية للمدنيين، وهو ما كان يمكن أن يتحقق لو أشار إلى قضية (بنات اسكندرية) «أهى قضية زى دى لو عندى مش هياخدوا البنات فيها إلا سنة بالكتير ومش هنحكم فيها بالسرعة دى ولا بالردع ده لأنه حتى عندنا للردع حدود»، ولربما نشأت عقب كلامه على الفور مجموعة (نعم للقضاء العسكرى وقضا أخف من قضا)، التى سينضم إليها قطعا الكثير من الوسطيين الذين يرون أن الإفراط مضر فى كل شىء، حتى فى الشموخ.
دعنا من المضحكات المبكيات، وخلينا فى المبكيات المثيرات للأمل، لا أدرى إذا كنت قد بكيت من القهر وأنت تشاهد صور بنات اسكندرية وهن تقفن بثبات وشموخ فى قفص الاتهام الذى لم يكن شامخا على الإطلاق، ولا أدرى إذا كنت بعد متابعة ردود الأفعال على حبسهن، قد خف شعورك بالقهر ليتبدل إلى أمل مبعثه أن هذه البلاد ما زال فيها من يخاف الله، ومن هو مستعد للتضامن مع المظلوم حتى لو كان مختلفا معه فكريا وسياسيا، لعلك قلت لنفسك: بالتأكيد عندما يصبح هؤلاء هم الغالبية العظمى فى البلاد سينصلح حالها، ولعلك تذكرت أنه حتى يحدث ذلك سيظل هناك من يبرر الظلم ويوالس عليه لأنه بعيد عن «مؤخرة جحا»، ولعلك قلت لنفسك إن قوانين الكون ينبغى أن تكون قد علمتنا أن القبول بالظلم تعم آثاره على كل من يقبلون به، حتى لو لم يكتووا بناره، لأنهم فى النهاية سيدفعون ثمن قبولهم به حين تستمر بلادهم فى تخلفها وفقرها وفسادها.
نعم، وهذا والله ليس نظرا إلى نصف الكوب المسروق، ما زالت الثورة بخير، لأن هناك مناصرين لها رفضوا أى تبريرات لذلك الحكم الجائر، ولم يفعلوا مثلما فعل أنصار الإخوان من قبل عندما كانوا يبررون بنطاعة منقطعة النظير ظلم الداخلية الذى وصل ذات يوم إلى حد سجن طفل مصاب بالسرطان فى الإسكندرية، أذكر أننى تلقيت من أنصارهم شتائم لا حصر لها وتبريرات لموقف الداخلية لا مثيل لها، عندما كتبت عن تلك الواقعة بتاريخ 10 فبراير الماضى فى مقال بعنوان (صندوق يلمك) ستجد نصه هنا لو أحببت استعادته.
www.shorouknews.com/columns/view.aspx?id=12d48062-e055-4b00-8474-34eac1a56249
للأسف، لم يتعلم الإخوان قديما جوهر المشكلة، ولم يتعلموه الآن لأنهم ما زالوا مزنوقين فى حارة الشرعية وحريصين على الانتصارات الصغيرة فى معارك الشماتة والتبرير، لكن المؤسف أن كثيرا ممن يرفعون شعارات المدنية لم يدركوا حتى الآن أنه لا يوجد أى أمل فى إصلاح أو تغيير طالما ظلت عقلية القمع تحكم البلاد، لأن الثمن الذى يطلبه القامع عندما يقف إلى جانبك أكثر فداحة من أن تقبله إذا كان لديك ضمير أو عقل، فالثمن ببساطة سيكون استمرار دولة مبارك بفكرها القديم المتعفن ولكن بوجوه وأسماء جديدة، سرعان ما سيزيل التعفن عنها قشرتها اللامعة، وعندها لن تنجح بكل ما أوتيت من مهارات فى إقناع المواطن العادى أن حياته صارت أفضل، وعندها سيدرك أنه مثلما اختطفت جماعة الإخوان إرادته عقب 25 يناير لمصالحها الخاصة، فقد اختطفت سلطة اللواءات إرادته عقب 30 يونيو لمصالحها الخاصة، ولذلك إذا كنت حقا ممن يخاف على هذا الوطن وعلى مواطنيه فلا تسر فى ركاب السلطة التى تدفع الجميع بغبائها نحو سكة هدم المعبد على رءوس الجميع.
أعلم أن الموضة الرائجة الآن هى التسخيف من الأحلام والمبادئ، حتى من الذين لم يكن ليسمع عنهم أحد لولا تغنيهم بالأحلام والمبادئ، لكننى أوقن بشكل واقعى، ليس فيه خيالية ولا مثالية، أنه مثلما هزمت ابتسامة خالد سعيد نظام مبارك، ومثلما هزمت ابتسامة أحمد حرارة نظام طنطاوى، ومثلما هزمت ابتسامة حسن مصطفى نظام مرسى، ستهزم ابتسامات بنات اسكندرية المعتقلات نظام «افرم يا سيسى»، لسبب بسيط ومنطقى هو أن الله لا يرضى عن الظلم، وما حدث لبنات اسكندرية ظلم بيِّن كامل الأوصاف، لن أقول لك إن الله سيلعن كل من يصمت عليه أو يبرره أو يوالس عليه، لكى لا يبدو كلامى انفعاليا عاطفيا، بل سأقول بمنتهى الواقعية إنه لا يمكن أن ينصلح حال دولة تُبنى على الظلم وتبريره والطرمخة عليه.
يا «بنات اسكندرية» مهما اختلفنا، ويا كل الحالمين والحالمات بوطن يحترم حقوق وإنسانية كل مواطنيه: فرجه قريب، وحتى لو كان بعيدا، ليس ذلك مهما، فعلى العبد أن يظل نظيفا وهو يأمل، وليس عليه أن يوسِّخ نفسه لكى يدرك الأمل.
لا اعتقد يا ابن خالتى فرنسا فما زالت الوضاعه و لغة الحوارى يمثلا شخصك و اسلوبك و النذاله تتقطر من بين سطورك مقالتك فأنت لا تجروء على كتابة مقال دون الهجوم على الأخوان حتى نمرر انتقاداتك المشكوك فيها فأنت الوضاعه بعينها
ReplyDelete