ترددت أن أنشر هذا البيان خاصة بعد أن استطلعت رأي مجموعة من المثقفين المتميزين والذين رأوا أن الوقت لا يحتمل مثل هذه البيانات خاصة أن المسار الأمني الذي صار غالبا وغلابا أخذ طريقه بحيث لا يستطيع أحد أن يقف في مواجهته أو على أدنى تقدير يحاول أن يرشد مساره، وترافق ذلك مع بيئة من صناعة الكراهية وتآكل رصيد الثقة المجتمعي، ووجود بعض المؤشرات تنال من حقيقة السلم الأهلي وضروراته التي تتعلق بتماسك ولحمة المجتمع والوطن؛ إلا أنني وجدت وفي إطار صار يحسه الكثيرون:

"أن مصر في خطر شديد ومأزق عظيم، تواجهها تهديدات كبيرة وتحديات جسيمة تحيط بالجميعوتقع آثارها فوق رءوس الجميع؛ الأمن القومي المصري في أخطر حالاته، داخليا وخارجيا، القتلى بالمئات ربما بالآلاف، والجرحى والمعتقلون بالآلاف، والمجتمع منقسم على نفسه، والقمع في تزايد وتصاعد، وعودة الدولة البوليسية أصبح حقيقة ملموسة، والعنف المجتمعي يتزايد بضراوة، والأجهزة المسئولة عن تأمين البلاد داخليا وخارجيا في قلب المعمعة السياسية كطرف من الأطراف، والتدخل الخارجي الإقليمي والدولي متعاظم من منافذ متعددة، والحالة العامة للبلاد تنذر بمزيد من مخاطر الاحتراب الأهلي على خلفية الصراع السياسي ثم التدهور الاقتصادي، والقرارات المتعامية عن أزمات المجتمع الكبرى.

الاقتصاد المصري ينتقل من سيء إلى أسوأ، وما يترتب عليه من انخفاض كبير في الدخل الحقيقي للمصري، واتساع رقعة المصريين الواقعين تحت خط الفقر، واتساع مساحات البطالة والعطالة، وتزايد عجز الموازنة العامة، والتجمد شبه التام لقطاعات اقتصادية حيوية يعاني العاملون فيها من تدهور دخولهم والذى وصل إلى حدود غير مسبوقة، ويتعيش الاقتصاد العام على معونات محدودة من دول معدودة غير قابلة للاستمرار، فضلا عن انفجار حجم المديونية العامة بما يهدد المستقبل والأجيال القادمة بأعباء ضخمة لخدمة هذه الالتزامات والوفاء بها. هذا فضلا عن إطلالة الفساد الحكومي على أشده وإدارة المال العام عبر القنوات التي كرسها نظام ما قبل 25 يناير 2011. إن اللايقين السائد في الساحة الاقتصادية المصرية كفيل بتعطيل عجلات الاقتصاد لسنوات قادمة.

الجماعة الوطنية المصرية التي تجدد تأسيسها منذ مائة عام، وتدعمت عبر المحن والمنح الوطنية يتعرض نسيجها اليوم لانتهاك وتهتك شديد. فالطائفية تتعدى اليوم ما بين مسلمي مصر ومسيحييها إلى حالة من "الطأفنة" أو الشعوبية لكل القوى السياسية والمجتمعية والفكرية. فالجميع صار يتحكم فيه منطق "الطائفة"، و"القبيلة والعصبية " داخل الوطن، والكل يطالب بوضعية خاصة وامتيازات وفواصل تقسم ولا تجمع، وتتراجع على إثرها جامعة الوطن المصري، وتيارها الرئيس، لصالح صراع سياسي مجتمعي شامل ومدمر. إن الخطابات والممارسات التي تكون المجال العام المصري بالراهن لا تذهب بنا إلا إلى مشروعات التقسيم للوطن على مستويات عدة، وإن لم تصل إلى التقسيم الجغرافي والمكاني على النحو المروج له.

النظام السياسي المصري منقلب رأسا على عقب، ومستقبل الديمقراطية بشكلها ومضمونها ومستقبل الدولة ذات الحكم المدني بات في خطر حقيقي، ومعرض لانتكاسة كبيرة في ظل ما تتعرض له ثورة 25 يناير وأهدافها ومكتسباتها من ضربات وطعنات من قبل قوى الثورة المضادة وعبث قوى خارجية إقليمية ودولية بمستقبل هذا الوطن.

مؤسسات الدولة السياسية وغير السياسية تتفكك وتهترئ بفعل انخراطها في صراع سياسي لا تحمد عقباه، وقدرة الدولة على الضبط لا تساوي شيئا أمام الاحتقان الشعبي المتزايد من الجميع وضد الجميع، والشباب للأسف الشديد هم وقود هذه الحرب اليومية في كل مكان؛ إن بدمائهم الطاهرة أو بمستقبلهم القابع تحت تهديد فشل الوطن ومؤسساته ونخبه.

هذا البيان ليس للتخويف بقدر ما هو للتحذير مما يراه الجميع، ويخشاه الوطنيون الحقيقيون الحريصون على هذا الوطن وأهله جميعا بلا تمييز ولا استثناء ولا إقصاء. وليس المقام مقام طرح حلول جديدة غير التي بحت بها الأصوات خلال السنوات الثلاث الماضية:

لابد من استعادة المسار الديمقراطي الحقيقي، بضماناته التي تطمئن جميع القوى السياسية والمجتمعية.

عدم السماح بارتداد البلاد إلى عهود الفساد والاستبداد وغيبة القانون وقمع الحريات وإهدار الحقوق الإنسانية.

استعادة ثورة يناير روحها وأهدافها ومكتسباتها وقواها لاسيما القوى الشبابية والوطنية، وإعادة ربطها بظروف المجتمع المصري ومعاش الناس والنظام السياسي وإمكاناته ومواجهة تحدياته التي كشفت عنها المرحلة.

نخاطب بهذا البيان كل محب لهذا الوطن، حريص عليه، خائف على مستقبله، أن يتخلى الجميع عن منطق التأزيم لكل التقاء وتجميع لقوى الوطن، ومنطق التسميم لكل فكرة ونية مهما كانت طيبة، ومنطق تعميم مشكلات الماضي القريب على مستقبل مصر، وأن يتحلى الجميع بأمل فسيح، وعزم متين؛ لاستنقاذ مصر كلها، وكل أبنائها، ومستقبلها من المخاطر المحدقة بها...

نخاطب بهذا البيان أهل المسئولية الوطنية، المؤمنين بجامعية الوطن، ورباط المواطنة، وأن لنا مشتركا عميقا، ومصيرا واحدا، يجب أن يعلو ويعلى على سائر الاختلافات والخلافات التي تبدو أمام حال الوطن اليوم ثانوية وقابلة للتأجيل أوالترحيل...

نخاطب الجميع من أجل الجميع، للالتقاء بنقاء في تحالف للقوى الديمقراطية، والتفكير بحكمة، والتحرك بعزيمة؛ لاستخلاص مصر من هذه الهوة قبل أن نقع فيها ولا ينفع الندم..

أن نعلن جميعا رفض كل ما يجري من عنف أو إقصاء أو انتقام من أي جهة كان ولأي جهة كان، الوطن لم يعد يتحمل كل هذه الويلات ومعاش الناس ومادته وضروراته لا يمكن أن تنتظر أكثر من ذلك، علينا جميعا أن نعلنفتح صفحة تعاقدية جديدة، ينفتح فيها المجال لمشاركة حقيقية من الجميع من أجل وطن للجميع، وتستوعب الجميع بلا أية شروط ولا قيود، وتأخذ وقتها لكي تجيب عن أسئلة الوطن الكبرى، التي تتعلق بمستقبله ولا تقف عند ماضيه أو حتى واقعه.

إن من يتصور أن الحل في كتابة وثيقة دستورية جديدة في ظل هذا المناخ الاستقطابي يجب أن يعرف أن الوثائق لا تمثل مجرد كلمات بل هي انعكاس للبيئة يجب أن تؤسس على قاعدة من التراضي وحالة من الاختيار والممارسة الحقيقية التي تجعل من الكلمات أفعال وسياسات وآليات.

حينما يتهدد كل ذلك الوطن فإننا في حاجة إلى عقلاء وحكماء يحملون ذلك الهم الكبير الذي يتعلق باستعادة ثورة 25 يناير بعد التفاف عليها وحصار لها ولّد في النهاية ثورة مضادة في مواجهتها،يجب أن يقوم كل من آمن بها بعملية انقاذ ضرورية واستعادة حقيقية لأهداف هذه الثورة ومكاسبها.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -