التقويم الاستراتيجي لأحداث اليوم يصبح سهلا لو أجبنا على سؤال مهم، وهو: لماذا تراجعت أعداد من تقتلهم قوات الانقلاب في بعض الشهور الماضية، خاصة في سبتمبر، والنصف الثاني من أكتوبر وما بعدهما، مقارنة بما تفعله تلك القوات منذ أسابيع؟..

الجواب يتضح من خلال نموذج تحليلي بسيط، يتكون من 3 مستويات يمكن أن يُواجه بها الانقلاب فعاليات الثوار، وهي: الإيقاف- المنع- التعطيل..

سعى الانقلاب في البداية إلى إيقاف الحراك الثوري تماما، لكنه عجز..

لذا، انتقل إلى المستوى الثاني، وهو: منع الحراك من النمو والتضخم، والمنع هنا يتضمن السماح بنطاق للفعاليات داخل أطر محددة...
ولو تذكرنا، فقد تراجعت نسبة القتل إلى الحد الأدنى، في المرحلة التي انهمك فيها الثوار في تنفيذ الفعاليات في مناطق بعيدة وآمنة، داخل الأحياء والقرى..

لكن مع ثبات الثورة ورسوخ الفعاليات، تطور طموح الثوار نحو تحقيق أهداف ثورية جديدة، سعيا لكسر الانقلاب بصورة مباشرة تتجاوز خطط الاستنزاف طويلة المدى، وكانت الفرصة الذهبية في الذكرى الثالثة لثورة يناير،
وهنا كان على الانقلابيين أن يمارسوا "المنع" بمنتهى القسوة، لماذا؟..

لأنهم لو تكاسلوا عن ذلك سوف تتمدد الفعاليات وتنمو إلى الدرجة التي يصعب إيقافها، وبعبارة أخرى: فإن تنامي نسبة القتل يعني أن الثوار قد بلغوا حدود منطقة الانقلاب، التي لو عبروها فلن يمكن إيقافهم، وسيكون غاية ما يتمناه الانقلابيون حينها هو "تعطيلهم" لمجرد كسب الوقت، قبل أن يصل الثوار إلى مرحلة "ما بعد موقعة الجمل"، أي: مرحلة اللاعودة.. اللا سيطرة..

فأكثر ما يخيفهم أن تنفتح القاهرة أمام الثوار، فيطلقون فعاليات في كل مكان دون مواجهة أمنية، فهم ما ارتكبوا مذبحتي رابعة والنهضة، إلا لإيقاف ما أطلق عليه بعضهم"الغزوات الليلية" بالدرجة الأولى..
وهنا يجب أن نفصل بين أمرين، هما: إنهاك قوات الانقلاب لدرجة إبعادها أو إسقاطها - وتغيير مهمة هذه القوات لتصبح مجرد التعطيل فقط..
فالأمران غير متلازمين، ولا يستحسن أن تتجمد العقول عند هدف "إسقاط الداخلية"، إذ الفائدة قد تتحقق دون سقوطها كليا..

إذن مهمة الثوار الحالية، هي أن يدفعوا لإحداث تغيير استراتيجي في مهمة القوات الأمنية، وهم نجحوا من قبل في تقليصها من مستوى "الإيقاف" إلى "المنع"، وقد حدث ذلك بتأثير تنامي الظهير الشعبي، والانتشار الجغرافي الهائل للفعاليات..

وهنا يأتي السؤال عن: كيف يتحقق ذلك التغيير؟
كيف نصل إلى مرحلة اللا عودة - الثورية؟..
أُكمِل غدا إن شاء الله ..

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -