ها هى مصر، إذن، وبعد تدخل الجيش فى السياسة فى ٣ يوليو ٢٠١٣ ومع تورط النخب المدنية والحزبية فى قبول هيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى يدفع بها بعيدا عن الديمقراطية وجوهرها الذى ينبغى أن يطول العلاقات المدنية العسكرية ويزج بشعبها وفى سياق قمع وتعقب وإسكات أصوات المعارضين وانتهاكات للحقوق وللحريات إلى الوقوع مجددا فى خانات تجديد دماء سلطوية الرأى الواحد والموقف الواحد والمؤسسة الواحدة والبطل المخلص الواحد.

يحاجج بعض المتورطين دوما فى صناعتى النفاق وتزييف الوعى خدمة للحكام، وكذلك بعض المهمومين بمصر والخائفين على تماسك الوطن والدولة والمجتمع ونحن نواجه أعمال الإرهاب والعنف فى الداخل والامتدادات الخطيرة لسياق إقليمى غير مستقر ويهدد أمننا القومى بأن دور المؤسسة العسكرية فى السياسة وهيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى تفرضهما مقتضيات اللحظة الراهنة وأنهما سيتراجعان ما أن نواجه بنجاح الإرهاب والعنف ونحتوى التهديدات الواردة على الأمن القومى. والحقيقة، وتدلل عليها خبرات بشرية مختلفة وخبرات مصرية سابقة، هى أن الساحة المجتمعية والسياسية أعدت «بعناية» منذ ٣ يوليو ٢٠١٣ لاستمرار دور المؤسسة العسكرية ولم يقتصر الأمر لا على إقرار الوضعية الاستثنائية فى الدستور ولا على الترويج للبطل المخلص، بل ذهب باتجاه توظيف مقولات كضرورة التفويض الشعبى لمواجهة الإرهاب وحتمية حماية مصر من مؤامرات إقليمية وخارجية تحاك ضدها فضلا على التورط فى تخوين وتشويه وإسكات الأصوات المدافعة عن الديمقراطية بهدف إقناع الرأى العام بأن المؤسسة العسكرية تمثل أمل الإنقاذ الوحيد وأن النخب المدنية والحزبية إما ملتحقة بركبها أو عاجزة وخائنة وفى جميع الأحوال لا يمكن التعويل عليها.

يحاجج البعض الآخر من بأن ترشح وزير الدفاع المحتمل لرئاسة الجمهورية لن يؤدى إلى هيمنة كاملة للمكون العسكرى ــ الأمنى ويستدعى فى هذا السياق نماذج متنوعة لوصول عسكريين إلى الرئاسة فى بلدان ديمقراطية (شارل ديجول فى فرنسا ودوايت أيزنهاور فى الولايات المتحدة). والحقيقة هى أن وصول العسكريين السابقين إلى الرئاسة فى بلدان ديمقراطية ذات مؤسسات وتقاليد مدنية مستقرة وقوية وانتخابات دورية لا يشكل تهديدا بالعسكرة أو بخروج المكون العسكرى ــ الأمنى عن رقابة السلطتين التشريعية والتنفيذية. أما فى بلد كمصر تتسم مؤسساتها المدنية بالضعف الشديد أو بالتبعية للمكون العسكرى ــ الأمنى الحاكم منذ خمسينيات القرن الماضى وتغيب عنها التقاليد الديمقراطية، ليس لترشح ووصول عسكريين إلى الرئاسة إلا أن يعنى استمرار العسكرة واكتمال حلقاتها.

كذلك تحاجج مجموعة أخيرة من الكتاب والسياسيين والإعلاميين بأن التأييد الشعبى لوزير الدفاع أضحى حقيقة مركزية فى وضعية مصر المجتمعية والسياسية وأن دوره المحورى يصعب تجاوزه ويصبح من ثم متوقعا ومقبولا وصوله إلى منصب رئاسة الجمهورية. والحقيقة هى، ومع كامل الاحترام لتفضيلات المواطنات والمواطنين وحتمية الامتناع عن الاستعلاء عليها، أن التأييد الشعبى الواسع لوزير الدفاع تبلور فى ظل ابتعاد عن الجوهر الديمقراطى وهيمنة للمكون العسكرى ــ الأمنى على السياسة وتبعية للنخب المدنية والحزبية وسيطرة لخطاب إعلامى يوظف أخطار الإرهاب والعنف الراهنة للترويج لسلطوية الرأى الواحد والموقف الواحد والبطل الواحد وتجديد دمائها.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -