يعتبر الاستفتاء على الدستور إحدى الخطوات الرئيسية التي وضعها العسكر فيما يسمى بخريطة الطريق لإقامة جمهورية الانقلابيين وفق المعايير التي كانت سائدة من قبل طوال سنوات حكم العسكر الستين لمصر، وقد بنيت خريطة الطريق كلها على افتراض أن المعارضة للانقلاب لن تتجاوز عدة أيام سرعان ما تخمد بعد القبض على رموز المعارضين.
لكن الانقلابيين فوجئوا بحجم المعارضة الهائلة للانقلاب والتي تجمعت في ميادين مصر الرئيسية وعلى رأسها ميدانا رابعة العدوية والنهضة في القاهرة وسرعان ما تمدد المعتصمون في تلك الأماكن ووصلوا إلى دار الحرس الجمهوري فكانت المجزرة الأولى التي قتل فيها ما يقرب من مائة وأصيب عدة مئات واعتقد الانقلابيون أن هذه المجزرة كفيلة بأن تبث الرعب في نفوس باقي المعتصمين فيتركوا الميادين وينصرفوا إلا أنهم فوجئوا بزيادة أعداد المعتصمين وإصرارهم على مطالبهم، فوقعت مذبحة المنصة التي قتل فيها ما يزيد على مائتين وجرح عدة مئات آخرون، وكانت أبشع من مذبحة الحرس الجمهوري، واعتقد الانقلابيون أن هذه المذبحة الثانية التي ساندها الصمت الدولي بل وربما الدعم لم تزد المعتصمين إلا ثباتا وإصرارا على مطالبهم وزيادة في أعدادهم فارتكبوا في النهاية المجزرة الكبرى في رابعة والنهضة في آن واحد وقتل وجرح في كلا المجزرتين ما يزيد على عشرة آلاف، ومعظم القتلى كانوا بالقنص أو بأسلحة محرمة دوليا وفي ليلة واحدة قاموا بتنظيف الميدان لطمس معالم الجريمة بعدما قاموا بحرق كثير من الجثث بل وحرق المكان كله مع تواتر روايات عديدة عن أكثر من مقبرة جماعية أقيمت لكثير من الشهداء الذين لم يتمكن الأهالي من نقلهم إلى مسجد الإيمان في مدينة نصر والذي استمرت الجثث فيه عدة أيام حتى يتعرف عليها أهلها وسط تعنت من السلطات في عدم تسليم الأهالي شهادات الوفاة التي تثبت أنهم قتلوا وأحرقوا، وكانت هذه المجازر الكبرى كفيلة بأن يكف الناس عن الخروج إلى الشوارع للاعتراض على الانقلاب، وأن يدركوا أن مصير من سوف يخرج معترضا لن يكون أفضل من مصير الذين اعترضوا من قبل وكان مصيرهم إما القتل أو الجرح أو السجون والمعتقلات، لاسيما وأن معظم قيادات الإخوان والإسلاميين قبض عليها بسهولة ودون أي مقاومة، لكن المفاجأة الكبرى كانت في استمرار خروج الناس للتظاهر وبأعداد هائلة وبشكل شبه يومي، ورغم أن إطلاق الرصاص لم يتوقف والشهداء والجرحى يزدادون كل يوم لكن المعارضة للانقلاب بقيت على ما هي عليه، وكانت الجامعات ساحة كبيرة للمعارضة، ورغم الانتهاكات التي قام بها العسكر للجامعات من قتل للطلبة واعتقال حتى للطالبات وغيرها إلا أن التظاهرات لم تتوقف وتجلت بشكل كبير خلال أيام التصويت، ففي الوقت الذي كان الفلول وكبار السن يقفون في بعض الطوابير لمنح الانقلابيين المشروعية على الدستور كان طلاب الجامعات يدخلون في مواجهات مع قوات الأمن، بينما كان الإعلاميون التابعون لفضائيات الانقلاب يصرخون بأعلى أصواتهم متهمين حزب النور بالخيانة لأنه لم يتمكن من حشد أنصاره أمام اللجان، بينما كانت سيارات الجيش تجوب الأحياء تطالب الشعب بأن يذهب للتصويت، ستكون النتيجة أقرب ما تكون لنتائج استفتاءات العسكر طوال العقود الستة الماضية لكن الواضح من التظاهرات التي خرجت يوم الجمعة الماضي أن خريطة الطريق أصبحت بلا طريق.
0 التعليقات:
Post a Comment