يبدو كأن وقت طويل مضى منذ كنا نقضي الوقت معا في ميدان التحرير، حيث زملائي المصرييين أعدوا استوديو قديم من الأضواء، والمقاعد وعدد قليل من الكاميرات، ومتجاهلين صناعة التاريخ. فرصدوا كل ارتفاعات وانخفاضات الثورة بداية من سقوط الرئيس حسني مبارك، إلى صعود الإخوان المسلمين وانتخاب الرئيس محمد مرسي، يليها الاطاحة الجيش بهم . وكان عمل صحفيين الجزيرة هؤلاء عبارة عن مسوده أولى - أو بالأحرى ينبغي أن أقول، نسخة غير نهائية - من تاريخ مصر الحديث.
مع القليل من النوم و الراحة ، كانوا يكافحون في ظروف لا يمكن أن تكون أكثر بؤسا و قسوة ، إلا أن هذه الظروف و الاحداث لم تزدهم الا سعاده. فما كان ما هو حلم مراسل يتحقق .
ماما كما هي حركة المرور في القاهرة ، كانت الثورة فوضوية و جامحة ، لكنها كانت تحرز تقدما ثابت . ثم ، في 3 يوليو، حدث توقف مفاجئ . استولى الجيش على السلطة .و اضطرت مصر الثورية للسير في الاتجاه المعاكس ؛ سحقا لأي عقبة في طريقها ، بما في ذلك أكثر انتصاراتها هشاشة ،حرية التعبير.
في شريط فيديو مسرب بثته الجزيرة ، الجنرال المسؤول ، عبد الفتاح السيسي ، أظهر اهتماما كبيرا في الصحافة. قائلا" ، ومازال أمامنا وقتا طويلا قبل أن نتمكن من التأثير والسيطرة على وسائل الاعلام " ،و قال. " ونحن نعمل على ذلك، و نحن في صدد تحقيق نتائج أكثر إيجابية ، ولكن مازال أمامنا الكثير لنحقق ما نريد. "
ولكن أي ديكتاتورية تريد الانتظار؟ اغلق الجيش كالات الأنباء المخالفة له في الرأي و بدأت حملة ترهيب الصحفيين ، سواء المصرية أوالأجنبية. كان القمع العشوائي بحيث ، وفقا لمجلة الإيكونوميست ، حتى أنه تم اعتقال طاقم الفيلم التابع لفرع العلاقات العامة بشركة في واشنطن و التي تم توظيفها لتحسين صورة الحكومة .
و بالأخص تم حجز المعاملة البغيضه لقناة الجزيرة. حكام مصر الجدد يراقبون عن كثب هذه الشبكة حيث تشاهد قنواتها على نطاق واسع في جميع أنحاء مصر و بقية العالم . يزعمون أيضا أن الجزيرة ، التي تملكها دولة قطر ، هو لسان حال جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. وهذا ما يعد توصيفا كاذبا لا يقبله صحفيي الشبكة .
اعتقلت السلطات المصرية عدد من زملائنا في الجزيرة العربية ، و هي خدمة الشرق الأوسط الخاصة بالشبكة، صادرت كاميراتهم واغلقت مكتبنا . في حين تم الإفراج عن الجميع ما عدا واحد، وصدرت مذكرات اعتقال أيضا في حق20 شخصا ، تقول عنهم الحكومة ، إما أنهم يعملون حاليا في قناة الجزيرة أو قد فعلوا ذلك في الماضي ، من بينهم العديد من الاجانب .
وهي تشمل ثلاثة صحفيين من قناة الجزيرة الإنجليزية ، وشبكة اللغة الإنجليزية التي تضم ايضا الجزيرة أمريكا ، الذين ألقي القبض عليهم في ديسمبر: بيتر غرسته ، محمد فهمي و محمد باهر . وقدوجهت إليهم التهم الآن ببث تقارير كاذبة عن الاضطرابات بهدف مساعدة الإخوان المسلمين و زعزعة الاستقرارفي مصر . وهذه مجرد دعاية للتغطية على الرقابة والقمع. كتب السيد غرسته ، مراسلنا الأجنبي الحائز على جائزة ،كتب من زنزانته الباردة : " كيف لك أن تقوم بكتابة تقاريرعن الصراع السياسي الدائر في مصر بدقة وإنصاف دون التحدث الى جميع المعنيين ؟ "
كما ذكر انه في نفس الشهر الذي تم به اعتقالهم ، حكم على ثلاثة من زعماء ثورة 2011 العلمانيين ، من بينهم أحمد ماهر من حركة 6 أبريل ، لمدة ثلاث سنوات في السجن لتورطهم في احتجاجات غير مرخص بها. في حين تواجد مسيرة مؤيدة للحكومة في نفس اليوم و لم تكن مرخصة أيضا ، و لكن لم يدفع بأي المشاركين للاعتقال .
في هذا البلد المستقطب بشكل رهيب ومتوتر بشكل خطير ، يوجد تقرير هو الآخر كاذب من وحدة الأخبار المصرية الرسميه . فالحكومة و أذنابها تصور الصحفيين و النقاد بأنهم الجواسيس و الخونة ، وذلك باستخدام التلميحات التي لا أساس لها : كما يشيرون ظلما إلى زملائنا المعتقلين باسم " خلية ماريوت " كناية عن الفندق الذي تم به إلقاء القبض عليهم .
الاعتداءات على الصحفيين في محاولة لقمع حرية الصحافة ليست مقصورة على مصر فقط. فوفقا للجنة حماية الصحفيين ، وجد 211 صحفي في السجن في جميع أنحاء العالم في عام 2013، و 232 في عام 2012 ، وهما أسوأ السنوات على الاطلاق. و يذكر وفقا للاتحاد الدولي للصحفيين أن105 من العاملين بوسائل الإعلام قد قتلوا في عام 2013 ، وهذا ما يعني اثنين من كل أسبوع. في حين كانت الجماعات المتطرفة وراء عدد لا بأس به من هذه المظالم ، في بعض الحالات ، هي حكومات - بعضها متحالف مع الولايات المتحدة - تقع تحت طائلة المسؤولية .
مصر هي مثال حي . فمصر تعتبر " حليف رئيسي لغير الناتو "، فهي ثاني أكبر متلق للمعونة الأمريكية، الاقتصادية والعسكرية مجتمعة معا. وقد تلقت مصر منذ معاهدة السلام مع إسرائيل 1979 ،6 بلايين دولار نقدا وعينا من الولايات المتحدة، بما في ذلك الأجهزة الثقيلة مثل و ألف من الدبابات و 221 من الطائرات المقاتلة .
انها الحيرة ، لذلك، عند سماع أنه جاري تقليل النفوذ الأميركي مع القادة المصريين حيث أصبحت حقوق الإنسان و حرية التعبير هما مصدرالقلق. في حين يستفيد أكثر من 500 من رجال الامن المصريين من نظام التربية العسكرية الأمريكية سنويا ، بما في ذلك رئيس الموظفين في البلاد و على ما يبدو رئيسها المحتمل، الجنرال السيسي .
وقد أعرب البيت الابيض عن قلقه العميق ، حيث دعت الخارجية الأمريكيه واقعة احتجاز زملائي ب" الفظيعة "، ولكن في الواقع ،تم إرسال رسائل مختلطة من واشنطن إلى الحكومة المدعومة من الجيش في مصر. إدارة أوباما أعلنت انها ستحجب معدات عسكرية و 250 مليون دولار نقدا حتى تحقق الحكومة المدعومة من الجيش المصري تقدما ملحوظا على طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكن بعد ذلك أقر الكونغرس مشروع قانون الانفاق الذي يعيد أكثر من 1.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية –و دخل في اطار التفعيل-، خارقين القانون الذي يحظر منح المساعدات الخارجية إلى الأنظمة التي تطيح بالحكومات المنتخبة ديمقراطيا .
قبل أقل من خمس سنوات ، قال الرئيس أوباما المصريين : " نحن سوف نرحب بجميع الحكومات المنتخبة ، السلمية - شريطة أن يحكمون باحترام جميع شعبها. " من الواضح ،أن الحكومة المدعومة من الجيش المصري قد فشلت على جميع المعايير الثلاثة ، ويجب أن تقدم للمساءلة.
نحن نريد اطلاق سراح زملائنا ، ونحن نريد مصر حرة. لا يمكن لأي بلد أن يكون حرا عندما يطول بقاء الصحفيين في سجونها .
*مروان بشارة هو المحلل السياسي البارز في قناة الجزيرة و مؤلف كتاب " غير مرئية العربي : وعد و خطر من الثورات العربية . "
مصدر الترجمة: رصد
0 التعليقات:
Post a Comment