دفعنا ولا زلنا ندفع ثمنا غاليا لتحقيق جوهر إنسانيتنا: الحرية. الحرية في الداخل ضد عصابات الاستبداد والانفراد والتفرد، عصابات الفساد والنهب والنهش في أعراضنا ودمائنا وأموالنا وعقولنا وأبنائنا، والتي تجسدها اليوم عصابة الانقلاب، بمختلف أشكالها. والحرية ضد العدو الخارجي من عصابات الهيمنة والصهينة العالمية والإقليمية، وعصابات مص دماء شعوبنا وتصدير الفقر لنا، وعصابات اغتصاب الأرض والعرض والمصير.

دفعنا ولا زلنا ندفع ثمنا غاليا لحقب من الضعف والوهن والهوان، رضيت فيها أجيال منا بالدنية والدونية واستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، فاستبدلت الهاوية بالهوية، والرجعية بالمرجعية، والفتنة بالغير بدلا من الثقة بالذات، واستبدلت العطل بالعمل، والهزيمة بالعزيمة، والرق بالحرية، والقعود بالجهاد، والإحباط بالأمل. دفعنا ثمنا غاليا ولا زلنا ندفع نتيجة تخلينا عما نملك واحتقارنا لقدراتنا، وفتنتنا بما يحوز غيرنا، حتى ولو كان فيه مسخنا وانطماسنا ونكستنا.

دفعنا ولا زلنا ندفع ثمنا غاليا بالصحوة بعد النكسة، بالانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة الحجر وأطفال الحجارة) بعد هرولة الأنظمة وكامب ديفيدهم ونهاية صمودهم الزائف وتحديهم الأجوف، بالثورات العربية بعد أن بلغ الظالمون المدى في تضعييهم للبلاد والعباد، للحاضر والمستقبل، بالدم في ليبيا وسوريا ومصر وغيرها، وبمقاومة الثورات المضادة والانقلابات الدموية وشبكة الهيمنة والتبعية وتواصي الطغاة باستعباد الأجيال منا وراء الأجيال، وبقسوة ووحشية وشيطانية لا ترحم صغيرا ولا كبيرا ولا امرأة ولا فتاة ولا ترعى حرمة ولا كرامة.

لذلك فلا تهاون بعد اليوم.

الانتفاضة متجددة، والمقاومة مستمرة، ضد الاحتلال الصهيوني، وضد الانقلاب والنظم المتصهينة، حتى تحقق الشعوب العربية حريتها أو قدرا أساسيا منها. الانتفاضة في الضفة والمقاومة في غزة ومسيرة الانعتاق من الاستبداد في مصر والمنطقة لابد أن تستمر، وأن تستبسل، وأن تتصاعد حتى نؤلم الطغاة، ويتيقنوا ألا عودة للوراء بعد اليوم.

هذه ليست عنترية، ولا صوتا عاليا بغير حقيقة واقعية، إنها روح تستند إلى عنصرين قويين: الإصرار على المقاومة في مصر وفلسطين وما وراءهما، والاستعداد لدفع الثمن، وما الدماء التي خضبت أرضنا وروت ولا تزال تروي ثرانا إلا الحقيقة الكبرى، لو كانوا يبصرون. دماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا والمقاومين لن تذهب هدرا، لا في غزة ولا في درعا ولا رابعة ولا في الأنبار، ولا في كل شبر من أرضنا، أيا من كان القاتل الغادر السفاح.

فلينسحب الاحتلال من طرف واحد، وليتراجعوا وسط غبار قصفهم الإجرامي، وليجمعوا لذلك الغرب والشرق وكأنهم يتوسلون لهم أن يتوقفوا، لكن هذا عهدنا بهم، وخبرتنا التي طالت وتعمقت: بعدما يتلقون درسا قاسيا، ويعرفوا ألا سبيل لاستمرار عدوانهم، وأنه لا قرار لهم ولا استقرار على ضفاف غزة ولا في جوفها، ينسحبون في صورة المكتفين، وينهزمون في صورة المنتصرين. لقد لفظتهم أرض غزة هذه المرة بحمم من الغضب والرد المناسب والمقاومة المبدعة، واشتعلت من حولهم الضفة، وعواصم العرب والعالم، تقولوا لهم: سحقا لكم أيها المجرمون، عودوا من حيث أتيتم.

إن معركة الحصار هي التمهيد الذي قام به المتصهينون للعدوان الذي يرتكبه الصهاينة، ومن ثم فمعركة كسر الحصار والوقف في وجه حلف الصهاينة، ودول الطوق الآثم الجديد، دول الكنز الاستراتيجي الكبير، ونظام البطل القومي لإسرائيل، الإخوة الأعداء، الأصدقاء الألداء، المتآمرين مع الغاصب والمغتصب... هذه المعركة يجب أن تصبح ديدن حياتنا، ومحور حركتنا.. آن الأوان أن نصر على تغيير المعادلة. ومعادلتنا واضحة: لا يقف إطلاق النار قبل كسر العدوان والمؤامرة والحصار.

إن التخطيط لانتفاضة شعبية في عموم فلسطين، مدعومة بانتفاضة عربية وإسلامية في الشعوب المحيطة، وزخم مدني وشعبي عالمي من أنصار العدالة والحرية.. صارت أولوية في مسيرة مصر والأمة. وتلاحم قوى الانتفاض وقوى المقاومة وقوى الثورة والتغيير، في ربوع بلادنا، والبلاد المحبة للإنسان والإنسانية، لهو المدخل والمخرج الصحيح، الجامع بين: تحرير الأوطان، وكرامة الإنسان،والعيش فى أمان ، ووضع العدل والميزان.

هنا على أرض غزة يوجد مقاوم، قرر ألا يعيش في ضيم أو مذلة، في مهانة وإهانة. إن حلف الانبطاح والمهانة يدمر معاني العزة في العرب، ويقوض ما تبقى لنا من مكانة، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، رضوا بما يضمن لهم مساحات الغثائية، ويؤمن لهم عقلية ونفسية الوهن. أما أولئك الأبطال فلا يقبلون إلا بمعادلة الحياة الكريمة، إما نصر وإما شهادة.

معركة الحصار معركة حقيقية فى دواعيها وفى مآلاتها وفى استمرارها وكمالاتها ، معركة تربط بين مواجهة مع الخارج المتواطىء ومع الداخل المتصهين يعرف أن للمعركة امتداداتها وأعماقها ،معركة الاستقلال والتبعية ،الثورات المضادة فى مواجهة الثورات العربية الحقيقية تعرف أن قتل إرهاصات المقاومة ووئدها فى مهدها هو مما يساعد على استمرارها وبلوغ مصالحها وحماية تحالفاتها ،الثورة والمقاومة عنوان العزة والمنعة ،والانقلاب اغتصاب والاحتلال اغتصاب،فمنذ متى أمن اللص المغتصب الذى يحمى باطله ويحاول أن يقتل معنى الإرادة والمقاومة فى داخل صاحب الحق ،لأن فى مقاومته تذكير بباطله الذى لن ينقلب أبدا حقا أو حقيقة.

إنسان غزة هو اليوم رمز عزة الأمة؛ بالقول والعمل، بالمعنى والمبنى.. هم اليوم الطائفة التي على الحق ظاهرين لا يضرهم ولا يؤثر فيهم من خذلهم من الخاذلين ومن باعهم من باعة الهوى المدجنين، ومن حاصرهم من الخونة المضيعين.

لم يعد مقبولا استمرار عار الحصار.

لم يعد مقبولا استمرار ذل الحصار.

لم يعد مقبولا التواطؤ والتآمر المنكشف لتمكين الحصار.

لم يعد مقبولا إلا الخروج من حصار السفلة والقتلة.

مواصلة الجهد والجهاد والاجتهاد لفك الحصار هي المعادلة الجديدة التي لا يجوز التفريط فيها.

غزة اليوم تعلن عن الإصرار على تحديد المستقبل والمصير: عيش كريم، وعز مقيم، وحق مكين، وخطاب كرامة مبين، ونصر من الله وفتح قريب مكين، وبشرى للأحرار المقاومين، معركة فك الحصار هى عين الانتصار.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -